نديم المحبة
12-18-2011, 11:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
طريقك إلى إنجاز المهام
تطرقنا في مقالة سابقة إلى مفهوم إدارة المهام كبديل عملي لمفهوم "إدارة الوقت" وذلك لأن الوقت – كما توضيحه في المقال - لا يدار, فمثلاً لا تستطيع أن تجعل من 10 دقائق نصف ساعة مهما كانت قدراتك الإدارية، ولكنك في المقابل تمتلك القدرة على اختيار ما تقوم به في أي وقت من الأوقات وهذا هو العنصر الذي يمكنك إدارته وبمهارة وسوف نستعرض أحد الأساليب الفعّالة لتحقيق ذلك بإذن الله.
بالطبع عندما نقول أنه ليس بإمكانك إدارة الوقت فهذا لا يعني أننا نقلل من شأن الوقت وأهميته، فلا يمكننا تنظيم مهامنا وإنجاز ما نرغب في إنجازه بشكل سليم إذا لم نراعي عامل الوقت ونحرص عليه كل الحرص، فكما قيل "الوقت كالسيف". إلا أن عامل الوقت غير قابل للتغيير أو التعديل – إلا بقدرة الله بالطبع – لذا نشأت الحاجة إلى البحث عن منهجية أو آلية يمكنك بالفعل إدارتها وتنظيمها وتمكنك من اتخاذ أفضل القرارات الممكنة في كيفية استغلالك لوقتك.
وماذا يمكن أن تكون هذه الآلية الخطيرة؟! قبل أن نستعرض أية آلية أو منهجية للإنجاز وإدارة المهام يجب أولاً وقبل كل شيء أن نعرف ما هي تلك الأشياء والمهام التي نريد أن ننظمها وننجزها ، فلا يمكننا إدارة ما لا نعرفه أو لسنا ملمين بتفاصيله بشكل سليم. ولنوضح بمثال:
لنفرض أنك أمام قرار شراء سيكلفك مبلغاً كبيراً من المال؛ أنت هنا أمام احتمالين
1- أنت تعرف جيداً وضعك المالي عند لحظة الشراء ولديك توقعات جيدة بحجم التدفقات النقدية الخاصة بك خلال عام أو أكثر وبالتالي يمكنك التنبؤ بتبعات عملية الشراء على وضعك المالي الحالي والمستقبلي؛
2- أو عكس الحالة الأولى (ليس لديك إلمام جيد بوضعك المالي الحالي ولا تعلم ماذا سيكون أثر قرار الشراء على وضعك المالي الحالي أو المستقبلي).
مما لاشك فيه أن الحالة الأولى هي الحالة المثالية لأن قرار الشراء من عدمه سيكون مبني على معلومات دقيقة بينما في الحالة الثانية يوجد غياب للمعلومة وبالتالي فإن جودة القرار ستتأثر تبعاً.
هذا شبيه تماماً بمفهوم إدارة المهام، فإذا كنت على علم دقيق بما عليك من مهام وإلتزامات - الآن والمتوقعة منك في المستقبل - سيكون قرارك يتمتع بموضوعية كبيرة عندما تقوم بأي مهمة أو عمل على حساب مهمة أخرى، والعكس في حال عدم هذه المعلومات لديك. فلابد من تكوين " مخزون " مهام كامل وشامل وتكون على إلمام وإطلاع دائم ومستمر بمحتويات هذا المخزون كي تديره بشكل فعال.
إذن الخطوة الأولى لإدارة وإنجاز مهامك بشكل فعال هو حصر وجمع كافة ما عليك من مهام وذلك استعدادا لفرزها ومعالجتها كي تصل إلى مرحلة يمكنك من خلالها تنظيم ما قمت بجمعه وفرزه من مهام ومن ثم مراجعتها وذلك تمهيداً لإختيار ما نرغب في إنجازه منها في أي وقت من الأوقات.
ولنسمي هذه المراحل بـ "المراحل الخمس لإدارة وإنجاز المهام" وهي مأخوذة عن منهجية غاية في الدقة والعملية لإدارة المهمات تسمى GTD لمؤلفها David Allen (يمكنك البحث في جوجل بنفس العبارة السابقة لمزيد من المعلومات عن نظام GTD). وهذه المراحل هي:
1. مرحلة حصر وتجميع المهام
2. مرحلة فرز ومعالجة ما تم جمعه
3. مرحلة تنظيم ما تم فرزه
4. مرحلة مراجعة ما تم تنظيمه، وذلك كي:
5. ننجز ما نرغب في إنجازه
ولكل مرحلة من هذه المراحل تطبيقاتها النموذجية والمثالية وسوف نستعرض كل مرحلة بشكل مختصر:
أولا: مرحلة حصر و تجميع المهام والأشياء
مما تحدثنا عنه في المقالة السابقة هو أهمية عدم الاعتماد على الذاكرة لحفظ واسترجاع المهام لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى نسيانها عندما تحتاج إليها وتذكرها عندما لا تستطيع فعل شيء حيالها (خذ مثلاً الأوقات التي تذكرت فيها المهام عند خلودك للراحة والنوم؛ هل تستطيع فعل شيء حيالها آنذاك؟). فاستخدام الذاكرة لتخزين واسترجاع المهام بلا شك ليس استخداما مثالياً لأدمغتنا والتي تتقن التركيز والتفكير الخلاق أكثر من الحفظ (هذا يفسر حاجتنا لبذل مجهود مستمر لحفظ محتوى ما كحفظ سور من القرآن).
وما هو البديل للذاكرة؟ البديل هو: الكتابة
عندما تعترضك أي مهمة أو عندما تفكر في - أو تتذكر – أي شيء تود القيام بشيء حياله قم بكتابته (أكتبه في دفتر صغير في جيبك، سجله في برنامج على الكمبيوتر أو جوالك) المهم أن تكتبه أو تسجله في مكان تعلم أنك سترجع إليه في وقت لاحق لفرز ما قمت بكتابته.
أمثلة سريعة لأشياء تعترضنا ولابد من تسجيلها كي نتذكرها:
- تذكرت أنك تريد بطاريات جديدة للكشاف
- تشتري هدية لمن تحب
- تجتمع بأحد الأصدقاء
- اغراض من البقاله
- البدء في برنامج رياضي أو حمية
- التخطيط للاستثمار
- شراء برنامج معين من المكتبه
- الخ..
عندما تأتيك فكرة لا تلجأ إلى " أرشفتها " في دماغك إنما أكتبها أو سجلها كي تعود إليها لفرزها والتعامل معها (كما سيتم توضيحه بعد قليل).
حسناً هذا بالنسبة للحصر فماذا عن التجميع؟ أولاً فلنعرّف المقصود بـ "تجميع" في سياقنا هنا ، وهي تعني جمع سجلات عن المهام التي لديك وفي أقل عدد ممكن من الأماكن. وهذا مثال يوضح المعنى:
لنفرض أنه خطر على بالك فكرة مميزة لنزهة مع الأصدقاء خلال اللقاء الدوري معهم الذي بقى عليه أسبوع على سبيل المثال. ماذا تفعل بمثل هذه الفكرة؟ قم بتسجيلها كما ذكرنا من خلال كتابتها ومن ثم ضع هذه الورقة التي قمت بكتابتها في " سلة تجميع "
لذا وقبل كل شيء أوجد لنفسك في بيتك وفي مكان عملك "سلة" تجمع فيها أي شيء أنت بحاجة إلى أن تقرر ما يجب أن تفعل حياله (أوراق، فواتير، بريد ، مذكرات، كشاف بحاجة إلى بطاريات، الخ..).
وما أهمية وجود سلة مركزية لحصر المهام؟ الجواب: أهم خطوة يمكنك القيام بها إذا أردت أن تنظم وتنجز مهامك بشكل فعال. فإن من أهم الأسباب التي تعيق تنظيم المهام هو عدم وجود نقطة أو مكان تجميع مركزي لسجلات المهام التي لدينا. لو بحثنا في كل زاوية من منازلنا ومكاتبنا لوجدنا فيها العديد من المهام المتناثرة والمتراكمة بسبب عدم وجود مكان مركزي لوضع مثل هذه الأشياء فيها.
(بالطبع هناك أشياء يتم إلتقاطها نيابة عنك بشكل تلقائي مثل البريد الإلكتروني والذي يجتمع في برنامج البريد الخاص بك، وبريدك الورقي والذي يجتمع في صندوق بريدك، مذكرات أو تعاميم أو ملفات تصلك في مكتبك، وقس عليها. المهم أن يكون لديك نقطة مركزية يتم تجميع كافة المهام التي لا تتجمع بشكل تلقائي كالبريد الإلكتروني).
ثانياً: مرحلة فرز ومعالجة المهام التي نقوم بتجميعها
الآن وبعد أن اعتدت على حصر وتسجيل وإلتقاط كل شيء تريد أن تقوم بشيء حياله في سلتك (سواء في البيت أو المكتب) وتجمعت في سلتك عدد كبير من الأشياء (خاصة عندما تقوم بالحصر لأول مرة) ماذا تفعل حيال الأشياء التي تجمعت لديك؟
هنا تأتي خطوة الفرز والمعالجة والتي تقوم على ركيزة بسيطة ولكن أساسية وفي غاية الأهمية كي تصل إلى مراحل إنجاز عالية وهو أن تسأل نفسك السؤال التالي سؤال عن كل شيء في سلتك: "ما هو" هذا الشيء الذي وضعته في السلة وما هي الخطوة التالية التي يجب أن تقوم حياله؟ وهناك احتمالين اثنين:
1- هو شيء قابل للتنفيذ (أي يتطلب خطوة أو خطوات أخرى لتنفيذه)
2- هو شيء غير قابل للتنفيذ (أي لا ترتبط به خطوات تنفيذية)
ولنبدأ بالنوع الثاني: الأشياء التي تلتقطها والتي لا تتطلب خطوة أو خطوات أخرى (على الأقل ليس الآن أو في المستقبل القريب) وهي تنقسم إلى ثلاث أقسام:
- نفايات؛ وطريقة التعامل معها كالآتي: ضعها في سلة المهملات
- معلومات ترغب في الاحتفاظ بها (تعتقد أنها مفيدة أو قد تحتاج إليها لاحقاً)؛ طريقة التعامل معها كالآتي: تضع مثل هذا النوع في خزانة ملفات بعد تصنيفها (وسوف أتطرق في مقال لاحق عن الطريقة لإعداد خزانة ملفات خاصة بك)
- هو شيء لا يتطلب منك القيام بخطوات الآن ولكن قد ترغب في فعل شيء ما حيالها مستقبلا؛ ولنوضح بمثال كيفية التعامل مع مثل هذا النوع:
لنفرض أنك حصلت على دعوة لحضور مؤتمر في دولة أخرى والمؤتمر باق عليه ثلاث أشهر، أنت الآن غير متأكد إذا كنت ستتمكن من الذهاب من عدمه ولكن تريد أن تعود لهذه المسألة مرة أخرى بعد شهر مثلاً لاتخاذ قرار حينها. ماذا تفعل بهذا النوع من الأشياء؟ هناك أكثر من طريقة للاحتفاظ بمثل هذه النوع من الأشياء أسرعها هو وضع رسالة تذكير في مفكرتك تظهر بعد شهر تذكرك بالمؤتمر. (هناك طرق أخرى ولكن المقال الحالي لا يسع لعرضها جميعاً).
الآن لنعود للنوع الأول وهي الأشياء القابلة للتنفيذ وتتطلب خطوة أو خطوات أخرى لتنفيذها. لهذا النوع من الأشياء لديك ثلاث خيارات لمعاجلتها كالتالي (وبهذا الترتيب):
1. قم بها على الفور:
إذا كانت المهمة لا تتطلب منك سوى دقائق بسيطة لتنفيذها قم بها على الفور، أو لا تزعج نفسك بها من الأساس.
2. أوكلها لغيرك:
إذا كانت المهمة تتطلب أكثر من دقيقتين أو ثلاث لتنفيذها ولكن هناك من يمكنه أن ينفذها غيرك وبشكل أكثر كفاءة فأوكلها إليه (أو إليها) ومن ثم سجل ما أوكلته في ملف أو ورقة مكتوباً عليها "مهام لدى الغير" وذلك كي تتمكن من متابعة تنفيذها إذا لزم الأمر (مثلا سجل " أنتظر من زيد الحصول على رقم مركز التدريب" ومن ثم إذا راجعت هذا الملف ستتذكر أن لدى زيد هذه المهمة ويمكنك تذكيره بها أو مشابه).
3. قم بها في وقت لاحق:
إذا كانت المهمة تستغرق أكثر من بضع دقائق للقيام بها وأنت الشخص الذي يجب عليه القيام بها فقم بتسجيل الخطوة التي عليك القيام بها قي قائمة المهام الخاصة بك أو في مفكرة المواعيد إذا كان عليك القيام بها في وقت أو يوم محدد.
ثالثاً: مرحلة تنظيم ما تم فرزه ومعالجته:
الآن وبعد أن فرزت المهام السؤال كيف وبأي شكل تنظم هذه المهام وتحتفظ بها كي تنفذها عندما يتوفر لك الوقت لذلك؟ الجواب هو أننا نحتفظ بها في قائمة مهام تكون مرجع لنا لمعرفة ما علينا من مهام نريد تنفيذها في أقرب وقت ممكن. ومن المهم أن نحرص على عدم استخدام قائمة مهاك طويلة واحدة تخلط بها "الحابل بالنابل" إنما قم إنشاء مجموعة قوائم مبنية على السياق الذي يتم تنفيذ المهمة فيه. أي بدلاً من قائمة طويلة تضم المكالمات والمشاوير والاجتماعات وغيرها في آن واحد أنشأ لنفسك مجموعة من القوائم المنفصلة عن بعضها البعض والمبنية على السياق الذي سيتم فيه تنفيذ المهمة مثل "قائمة للمكالمات" والتي لا يوجد بها سوى المكالمات الهاتفية التي عليك القيام بها وليس أي شيء آخر؛ "وقائمة المنزل" وتحوي المهام التي لا يمكنك القيام بها إلا في المنزل، "وقائمة المشاوير" وتضم فقط المشاوير التي عليك، "وقائمة المكتب" وهكذا. ويمكنك الاحتفاظ بهذه القوائم ورقياً أو إلكترونياً المهم أن تكون منفصلة عن بعضها البعض.
رابعاً وخامساً: مرحلتي المراجعة والتنفيذ:
بعد أن حصرت ما عليك من مهام، وقمت بفرزها ومعالجتها وحددت ماهية المهام المنبثقة عنها وقمت بتسجيل تلك المهام وتنظيمها في قوائم المهام الخاصة بك (والمقسمة حسب سياق التنفيذ كما تم شرحه) كل ما عليك بعد ذلك هو مراجعة تلك القوائم واختيار المهام التي ستقوم بها في أي وقت من الأوقات.
إتباعك للخطوات السابقة سيقودك بمشيئة الله إلى اتخاذ قرارات ذات جودة عالية في كيفية اختيارك لما تقوم به في أي وقت من الأوقات. ومع أن هذه المراحل مرتبطة عملياً إلا أنها غير مرتبطة وقتياً بمعنى أنه ليس المطلوب منك أن تقوم بهذه المراحل كافة في آن واحد، بل على العكس من ذلك إذ يجب أن تتم هذه المراحل بوجود فارق زماني ومكاني بينها (فقد تجد مثلاً فاتورة عن باب المنزل تضعها في سلتك، تراجع سلتك بعدها بيوم أو يومين ومن ثم تراجع الفاتورة وتسجل في مفكرتك تذكير بأن تسددها بعد أسبوع مثلا ، وهكذا. فأنت قمت بإلتقاط من ثم فرز ثم تنظيم استعدادا للتنفيذ يوم ظهور التذكير بالدفع. بينما لو حاولت القيام بكل تلك الخطوات في وقت واحد لأصبحت كل مهمة تتطلب مجهود كبير لتنفيذها وهذا ما يجعل البعض منّا أحياناً يتجنب التفكير في بعض المهام التي عليه لأنه لا شعورياً يخيل إليه أن عليه القيام بما يشابه المراحل السابقة كلها وفي آن واحد مما يؤدي إلى تولد ضغوط نفسية تدعوه إلى محاولة تناسيها بالكامل).
خلاصة سريعة:
1- أوجد لنفسك سلة تلتقط وتجمع فيها كل شيء يعترضك ويتطلب أن منك أن تقوم شيء حياله، ولتكن في منزلك وعملك أيضاً ولا تسمح بأن تضع أي شيء غير معالج في أي مكان آخر
2- قم بفرز سلتك مرة كل يوم أو يومين (فرز سريع) مع فرز متأني خلال نهاية الأسبوع (ساعة أو ساعتين يوم الأربعاء للعمل والجمعة للبيت).
3- بعد أن فرزت ما تجمع لديك نظم مهامك في قوائم مهام منظمة حسب سياق تنفيذها (@ منزل، @ جوال، @ مشاوير، @ نت ، وهكذا، وأحتفظ بها بشكل ورقي في ملف أو حافظة أوراق تكون معك بشكل دائم أو من خلال أي من التطبيقات المتعددة المتوفرة في الحواسب والهواتف الذكية).
4- قم بمراجعة قوائمك في الأوقات الملائمة لذلك (راجع قائمة المنزل عندما تكون في المنزل، وراجع قائمة المشاوير عندما تكون خارج المنزل ولديك بعض الوقت لتقضي بعض الحاجيات، وهكذا).
5- الهدف من هذه المنهجية هو الانجاز فلا تدع فكرة أو خاطرة أو مهمة أو إلتزام يفوتك بعد اليوم. قم بكتابتها وتسجيلها وذلك لفرزها وتنظيمها ومراجعتها ومن ثم تنفيذها لتكتمل الحلقة وتبدأ دورة الانجاز من جديد.
طريقك إلى إنجاز المهام
تطرقنا في مقالة سابقة إلى مفهوم إدارة المهام كبديل عملي لمفهوم "إدارة الوقت" وذلك لأن الوقت – كما توضيحه في المقال - لا يدار, فمثلاً لا تستطيع أن تجعل من 10 دقائق نصف ساعة مهما كانت قدراتك الإدارية، ولكنك في المقابل تمتلك القدرة على اختيار ما تقوم به في أي وقت من الأوقات وهذا هو العنصر الذي يمكنك إدارته وبمهارة وسوف نستعرض أحد الأساليب الفعّالة لتحقيق ذلك بإذن الله.
بالطبع عندما نقول أنه ليس بإمكانك إدارة الوقت فهذا لا يعني أننا نقلل من شأن الوقت وأهميته، فلا يمكننا تنظيم مهامنا وإنجاز ما نرغب في إنجازه بشكل سليم إذا لم نراعي عامل الوقت ونحرص عليه كل الحرص، فكما قيل "الوقت كالسيف". إلا أن عامل الوقت غير قابل للتغيير أو التعديل – إلا بقدرة الله بالطبع – لذا نشأت الحاجة إلى البحث عن منهجية أو آلية يمكنك بالفعل إدارتها وتنظيمها وتمكنك من اتخاذ أفضل القرارات الممكنة في كيفية استغلالك لوقتك.
وماذا يمكن أن تكون هذه الآلية الخطيرة؟! قبل أن نستعرض أية آلية أو منهجية للإنجاز وإدارة المهام يجب أولاً وقبل كل شيء أن نعرف ما هي تلك الأشياء والمهام التي نريد أن ننظمها وننجزها ، فلا يمكننا إدارة ما لا نعرفه أو لسنا ملمين بتفاصيله بشكل سليم. ولنوضح بمثال:
لنفرض أنك أمام قرار شراء سيكلفك مبلغاً كبيراً من المال؛ أنت هنا أمام احتمالين
1- أنت تعرف جيداً وضعك المالي عند لحظة الشراء ولديك توقعات جيدة بحجم التدفقات النقدية الخاصة بك خلال عام أو أكثر وبالتالي يمكنك التنبؤ بتبعات عملية الشراء على وضعك المالي الحالي والمستقبلي؛
2- أو عكس الحالة الأولى (ليس لديك إلمام جيد بوضعك المالي الحالي ولا تعلم ماذا سيكون أثر قرار الشراء على وضعك المالي الحالي أو المستقبلي).
مما لاشك فيه أن الحالة الأولى هي الحالة المثالية لأن قرار الشراء من عدمه سيكون مبني على معلومات دقيقة بينما في الحالة الثانية يوجد غياب للمعلومة وبالتالي فإن جودة القرار ستتأثر تبعاً.
هذا شبيه تماماً بمفهوم إدارة المهام، فإذا كنت على علم دقيق بما عليك من مهام وإلتزامات - الآن والمتوقعة منك في المستقبل - سيكون قرارك يتمتع بموضوعية كبيرة عندما تقوم بأي مهمة أو عمل على حساب مهمة أخرى، والعكس في حال عدم هذه المعلومات لديك. فلابد من تكوين " مخزون " مهام كامل وشامل وتكون على إلمام وإطلاع دائم ومستمر بمحتويات هذا المخزون كي تديره بشكل فعال.
إذن الخطوة الأولى لإدارة وإنجاز مهامك بشكل فعال هو حصر وجمع كافة ما عليك من مهام وذلك استعدادا لفرزها ومعالجتها كي تصل إلى مرحلة يمكنك من خلالها تنظيم ما قمت بجمعه وفرزه من مهام ومن ثم مراجعتها وذلك تمهيداً لإختيار ما نرغب في إنجازه منها في أي وقت من الأوقات.
ولنسمي هذه المراحل بـ "المراحل الخمس لإدارة وإنجاز المهام" وهي مأخوذة عن منهجية غاية في الدقة والعملية لإدارة المهمات تسمى GTD لمؤلفها David Allen (يمكنك البحث في جوجل بنفس العبارة السابقة لمزيد من المعلومات عن نظام GTD). وهذه المراحل هي:
1. مرحلة حصر وتجميع المهام
2. مرحلة فرز ومعالجة ما تم جمعه
3. مرحلة تنظيم ما تم فرزه
4. مرحلة مراجعة ما تم تنظيمه، وذلك كي:
5. ننجز ما نرغب في إنجازه
ولكل مرحلة من هذه المراحل تطبيقاتها النموذجية والمثالية وسوف نستعرض كل مرحلة بشكل مختصر:
أولا: مرحلة حصر و تجميع المهام والأشياء
مما تحدثنا عنه في المقالة السابقة هو أهمية عدم الاعتماد على الذاكرة لحفظ واسترجاع المهام لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى نسيانها عندما تحتاج إليها وتذكرها عندما لا تستطيع فعل شيء حيالها (خذ مثلاً الأوقات التي تذكرت فيها المهام عند خلودك للراحة والنوم؛ هل تستطيع فعل شيء حيالها آنذاك؟). فاستخدام الذاكرة لتخزين واسترجاع المهام بلا شك ليس استخداما مثالياً لأدمغتنا والتي تتقن التركيز والتفكير الخلاق أكثر من الحفظ (هذا يفسر حاجتنا لبذل مجهود مستمر لحفظ محتوى ما كحفظ سور من القرآن).
وما هو البديل للذاكرة؟ البديل هو: الكتابة
عندما تعترضك أي مهمة أو عندما تفكر في - أو تتذكر – أي شيء تود القيام بشيء حياله قم بكتابته (أكتبه في دفتر صغير في جيبك، سجله في برنامج على الكمبيوتر أو جوالك) المهم أن تكتبه أو تسجله في مكان تعلم أنك سترجع إليه في وقت لاحق لفرز ما قمت بكتابته.
أمثلة سريعة لأشياء تعترضنا ولابد من تسجيلها كي نتذكرها:
- تذكرت أنك تريد بطاريات جديدة للكشاف
- تشتري هدية لمن تحب
- تجتمع بأحد الأصدقاء
- اغراض من البقاله
- البدء في برنامج رياضي أو حمية
- التخطيط للاستثمار
- شراء برنامج معين من المكتبه
- الخ..
عندما تأتيك فكرة لا تلجأ إلى " أرشفتها " في دماغك إنما أكتبها أو سجلها كي تعود إليها لفرزها والتعامل معها (كما سيتم توضيحه بعد قليل).
حسناً هذا بالنسبة للحصر فماذا عن التجميع؟ أولاً فلنعرّف المقصود بـ "تجميع" في سياقنا هنا ، وهي تعني جمع سجلات عن المهام التي لديك وفي أقل عدد ممكن من الأماكن. وهذا مثال يوضح المعنى:
لنفرض أنه خطر على بالك فكرة مميزة لنزهة مع الأصدقاء خلال اللقاء الدوري معهم الذي بقى عليه أسبوع على سبيل المثال. ماذا تفعل بمثل هذه الفكرة؟ قم بتسجيلها كما ذكرنا من خلال كتابتها ومن ثم ضع هذه الورقة التي قمت بكتابتها في " سلة تجميع "
لذا وقبل كل شيء أوجد لنفسك في بيتك وفي مكان عملك "سلة" تجمع فيها أي شيء أنت بحاجة إلى أن تقرر ما يجب أن تفعل حياله (أوراق، فواتير، بريد ، مذكرات، كشاف بحاجة إلى بطاريات، الخ..).
وما أهمية وجود سلة مركزية لحصر المهام؟ الجواب: أهم خطوة يمكنك القيام بها إذا أردت أن تنظم وتنجز مهامك بشكل فعال. فإن من أهم الأسباب التي تعيق تنظيم المهام هو عدم وجود نقطة أو مكان تجميع مركزي لسجلات المهام التي لدينا. لو بحثنا في كل زاوية من منازلنا ومكاتبنا لوجدنا فيها العديد من المهام المتناثرة والمتراكمة بسبب عدم وجود مكان مركزي لوضع مثل هذه الأشياء فيها.
(بالطبع هناك أشياء يتم إلتقاطها نيابة عنك بشكل تلقائي مثل البريد الإلكتروني والذي يجتمع في برنامج البريد الخاص بك، وبريدك الورقي والذي يجتمع في صندوق بريدك، مذكرات أو تعاميم أو ملفات تصلك في مكتبك، وقس عليها. المهم أن يكون لديك نقطة مركزية يتم تجميع كافة المهام التي لا تتجمع بشكل تلقائي كالبريد الإلكتروني).
ثانياً: مرحلة فرز ومعالجة المهام التي نقوم بتجميعها
الآن وبعد أن اعتدت على حصر وتسجيل وإلتقاط كل شيء تريد أن تقوم بشيء حياله في سلتك (سواء في البيت أو المكتب) وتجمعت في سلتك عدد كبير من الأشياء (خاصة عندما تقوم بالحصر لأول مرة) ماذا تفعل حيال الأشياء التي تجمعت لديك؟
هنا تأتي خطوة الفرز والمعالجة والتي تقوم على ركيزة بسيطة ولكن أساسية وفي غاية الأهمية كي تصل إلى مراحل إنجاز عالية وهو أن تسأل نفسك السؤال التالي سؤال عن كل شيء في سلتك: "ما هو" هذا الشيء الذي وضعته في السلة وما هي الخطوة التالية التي يجب أن تقوم حياله؟ وهناك احتمالين اثنين:
1- هو شيء قابل للتنفيذ (أي يتطلب خطوة أو خطوات أخرى لتنفيذه)
2- هو شيء غير قابل للتنفيذ (أي لا ترتبط به خطوات تنفيذية)
ولنبدأ بالنوع الثاني: الأشياء التي تلتقطها والتي لا تتطلب خطوة أو خطوات أخرى (على الأقل ليس الآن أو في المستقبل القريب) وهي تنقسم إلى ثلاث أقسام:
- نفايات؛ وطريقة التعامل معها كالآتي: ضعها في سلة المهملات
- معلومات ترغب في الاحتفاظ بها (تعتقد أنها مفيدة أو قد تحتاج إليها لاحقاً)؛ طريقة التعامل معها كالآتي: تضع مثل هذا النوع في خزانة ملفات بعد تصنيفها (وسوف أتطرق في مقال لاحق عن الطريقة لإعداد خزانة ملفات خاصة بك)
- هو شيء لا يتطلب منك القيام بخطوات الآن ولكن قد ترغب في فعل شيء ما حيالها مستقبلا؛ ولنوضح بمثال كيفية التعامل مع مثل هذا النوع:
لنفرض أنك حصلت على دعوة لحضور مؤتمر في دولة أخرى والمؤتمر باق عليه ثلاث أشهر، أنت الآن غير متأكد إذا كنت ستتمكن من الذهاب من عدمه ولكن تريد أن تعود لهذه المسألة مرة أخرى بعد شهر مثلاً لاتخاذ قرار حينها. ماذا تفعل بهذا النوع من الأشياء؟ هناك أكثر من طريقة للاحتفاظ بمثل هذه النوع من الأشياء أسرعها هو وضع رسالة تذكير في مفكرتك تظهر بعد شهر تذكرك بالمؤتمر. (هناك طرق أخرى ولكن المقال الحالي لا يسع لعرضها جميعاً).
الآن لنعود للنوع الأول وهي الأشياء القابلة للتنفيذ وتتطلب خطوة أو خطوات أخرى لتنفيذها. لهذا النوع من الأشياء لديك ثلاث خيارات لمعاجلتها كالتالي (وبهذا الترتيب):
1. قم بها على الفور:
إذا كانت المهمة لا تتطلب منك سوى دقائق بسيطة لتنفيذها قم بها على الفور، أو لا تزعج نفسك بها من الأساس.
2. أوكلها لغيرك:
إذا كانت المهمة تتطلب أكثر من دقيقتين أو ثلاث لتنفيذها ولكن هناك من يمكنه أن ينفذها غيرك وبشكل أكثر كفاءة فأوكلها إليه (أو إليها) ومن ثم سجل ما أوكلته في ملف أو ورقة مكتوباً عليها "مهام لدى الغير" وذلك كي تتمكن من متابعة تنفيذها إذا لزم الأمر (مثلا سجل " أنتظر من زيد الحصول على رقم مركز التدريب" ومن ثم إذا راجعت هذا الملف ستتذكر أن لدى زيد هذه المهمة ويمكنك تذكيره بها أو مشابه).
3. قم بها في وقت لاحق:
إذا كانت المهمة تستغرق أكثر من بضع دقائق للقيام بها وأنت الشخص الذي يجب عليه القيام بها فقم بتسجيل الخطوة التي عليك القيام بها قي قائمة المهام الخاصة بك أو في مفكرة المواعيد إذا كان عليك القيام بها في وقت أو يوم محدد.
ثالثاً: مرحلة تنظيم ما تم فرزه ومعالجته:
الآن وبعد أن فرزت المهام السؤال كيف وبأي شكل تنظم هذه المهام وتحتفظ بها كي تنفذها عندما يتوفر لك الوقت لذلك؟ الجواب هو أننا نحتفظ بها في قائمة مهام تكون مرجع لنا لمعرفة ما علينا من مهام نريد تنفيذها في أقرب وقت ممكن. ومن المهم أن نحرص على عدم استخدام قائمة مهاك طويلة واحدة تخلط بها "الحابل بالنابل" إنما قم إنشاء مجموعة قوائم مبنية على السياق الذي يتم تنفيذ المهمة فيه. أي بدلاً من قائمة طويلة تضم المكالمات والمشاوير والاجتماعات وغيرها في آن واحد أنشأ لنفسك مجموعة من القوائم المنفصلة عن بعضها البعض والمبنية على السياق الذي سيتم فيه تنفيذ المهمة مثل "قائمة للمكالمات" والتي لا يوجد بها سوى المكالمات الهاتفية التي عليك القيام بها وليس أي شيء آخر؛ "وقائمة المنزل" وتحوي المهام التي لا يمكنك القيام بها إلا في المنزل، "وقائمة المشاوير" وتضم فقط المشاوير التي عليك، "وقائمة المكتب" وهكذا. ويمكنك الاحتفاظ بهذه القوائم ورقياً أو إلكترونياً المهم أن تكون منفصلة عن بعضها البعض.
رابعاً وخامساً: مرحلتي المراجعة والتنفيذ:
بعد أن حصرت ما عليك من مهام، وقمت بفرزها ومعالجتها وحددت ماهية المهام المنبثقة عنها وقمت بتسجيل تلك المهام وتنظيمها في قوائم المهام الخاصة بك (والمقسمة حسب سياق التنفيذ كما تم شرحه) كل ما عليك بعد ذلك هو مراجعة تلك القوائم واختيار المهام التي ستقوم بها في أي وقت من الأوقات.
إتباعك للخطوات السابقة سيقودك بمشيئة الله إلى اتخاذ قرارات ذات جودة عالية في كيفية اختيارك لما تقوم به في أي وقت من الأوقات. ومع أن هذه المراحل مرتبطة عملياً إلا أنها غير مرتبطة وقتياً بمعنى أنه ليس المطلوب منك أن تقوم بهذه المراحل كافة في آن واحد، بل على العكس من ذلك إذ يجب أن تتم هذه المراحل بوجود فارق زماني ومكاني بينها (فقد تجد مثلاً فاتورة عن باب المنزل تضعها في سلتك، تراجع سلتك بعدها بيوم أو يومين ومن ثم تراجع الفاتورة وتسجل في مفكرتك تذكير بأن تسددها بعد أسبوع مثلا ، وهكذا. فأنت قمت بإلتقاط من ثم فرز ثم تنظيم استعدادا للتنفيذ يوم ظهور التذكير بالدفع. بينما لو حاولت القيام بكل تلك الخطوات في وقت واحد لأصبحت كل مهمة تتطلب مجهود كبير لتنفيذها وهذا ما يجعل البعض منّا أحياناً يتجنب التفكير في بعض المهام التي عليه لأنه لا شعورياً يخيل إليه أن عليه القيام بما يشابه المراحل السابقة كلها وفي آن واحد مما يؤدي إلى تولد ضغوط نفسية تدعوه إلى محاولة تناسيها بالكامل).
خلاصة سريعة:
1- أوجد لنفسك سلة تلتقط وتجمع فيها كل شيء يعترضك ويتطلب أن منك أن تقوم شيء حياله، ولتكن في منزلك وعملك أيضاً ولا تسمح بأن تضع أي شيء غير معالج في أي مكان آخر
2- قم بفرز سلتك مرة كل يوم أو يومين (فرز سريع) مع فرز متأني خلال نهاية الأسبوع (ساعة أو ساعتين يوم الأربعاء للعمل والجمعة للبيت).
3- بعد أن فرزت ما تجمع لديك نظم مهامك في قوائم مهام منظمة حسب سياق تنفيذها (@ منزل، @ جوال، @ مشاوير، @ نت ، وهكذا، وأحتفظ بها بشكل ورقي في ملف أو حافظة أوراق تكون معك بشكل دائم أو من خلال أي من التطبيقات المتعددة المتوفرة في الحواسب والهواتف الذكية).
4- قم بمراجعة قوائمك في الأوقات الملائمة لذلك (راجع قائمة المنزل عندما تكون في المنزل، وراجع قائمة المشاوير عندما تكون خارج المنزل ولديك بعض الوقت لتقضي بعض الحاجيات، وهكذا).
5- الهدف من هذه المنهجية هو الانجاز فلا تدع فكرة أو خاطرة أو مهمة أو إلتزام يفوتك بعد اليوم. قم بكتابتها وتسجيلها وذلك لفرزها وتنظيمها ومراجعتها ومن ثم تنفيذها لتكتمل الحلقة وتبدأ دورة الانجاز من جديد.