حسن فكري
02-12-2012, 05:08 PM
حتى لا تضل الطريق
المنهج السلفي العتيق منهج واحد منذ العهد النبوي حتى قيامالساعة مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم مَنْ خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك "(1).
والجديد ما أحدثه بعض المنتسبين لهذا المنهجالمبارك من محدثات الأفكار والمناهج والآراء التي تنافي منهج أهل السنة والجماعةكالتعصب للمشايخ والجماعات الحزبية ذات الولاء الضيق والتنظيمات المناوئة ونحو ذلك، فهذه الأمثلة ونحوها اجتهادات فردية وإن وصل بها البعض إلى درجة تكوين جماعة منالأتباع أو المحبين أو المقلدين لمآرب كانت أو عواطف أو اقتناع بالمسار الذي يسيرعليه ، ولا مسار لهذه الأمة سوى المسار السلفي العتيق.
ولايمكن لعاقل بصير أن يتهم أحداً ممن يعتنق العقيدة السلفية بالإبتداع بمجرد رأيتبناه له وجه شرعي أو سبقه إليه إمام من أهل السنة وإن كان في نفسه رأياً مرجوحاًأو بمجرد تأويل تأوله أو لكلام مجمل صدر منه يحتمل الصواب والخطأ أو اجتهاد خاطئيمكن تدارك هذا ونحوه بالنصح والحوار ، إلا أننا بلينا ببعض الأفراد من طلاب العلموربما من مشاهير مشايخ العصر الذين لا يمنع بعضهم علمه وإيمانه من توجيه تهمةالبدعة قبل أن تتوفر شروطها إلى فلان من الناس لتبنيه ذلك الرأي المرجوح أو بسببصدور الخطأ منه ونحو ذلك وهذا مسلك من مسالك الغلو ، مع أن العلاج الصحيح هو طلبالإعتذار له في بداية الأمر وحسن الظن به حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهةوخصوصاً إذا كان الزالُّ رجلاً ثقةً مشهوداً له بالعلم والإيمانوالاستقامة.
يُروى عن ابن سيرين أنه قال : " إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً فإن لم تجد له عذراً فقل له عذر"(2).
قال السبكي : " إذا كان الرجلُ ثقةً مشهوداً له بالإيمان والاستقامة ، فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتابته على غير ما تُعود منه ومن أمثاله ، بل ينبغي التأويل الصالح ، وحسن الظن به وبأمثاله "(3).
ومعنى ذلك " أنه يجب أنيُفسَّر كلام المتكلِّم بعضه ببعض ، ويُؤْخذ كلامه هاهنا وهاهنا ، وتُعرف ما عادتهيعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلّم به، وتُعرف المعاني التي عُرف أنهأرادها في موضع آخر ، فإذا عُرف عُرْفُه وعادتُه في معانيه وألفاظه ، كان هذا ممايُستعان به على معرفة مراده ، وأما إذا استُعمل لفظه في معنى لم تجر عادتهباستعماله فيه ، وتُرِك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه، وحُملكلامه على خلاف المعنى الذي قد عُرف أنه يريده بذلك اللفظ بجعل كلامه متناقضاً ،وترك حمله على ما يناسب سير كلامه ، كان ذلك تحريفًا لكلامه عن موضعه ، وتبديلاًلمقاصده، وكذباً عليه ، فهذا أصل من ضل في تأويل كلام الأنبياء على غير مرادهم"(4) ، " وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ ، كلمات مشتبهةمجملة ، فيحملونها على المعاني الفاسدة ، كما فعلت النصارى فيما نُقِل لهم عنالأنبياء، فيَدَعون المحكم ، ويتبعون المتشابه "(5).
وكذلك الذي يتبنى الرأي المرجوح ويدافع عنه أو يتأول فيالمسائل خطأ فإنه لا بد من طلب الإعتذار له ابتداءً حتى يناصح ويحاجج عليه ولايَفْصِلُ في أمره وحاله إلا كبار الأئمة لا بعض المشايخ وطلاب العلم وبعض صغارالطلاب.
سأل أحدهم شيخنا صالح الفوزان هذا السؤال : لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع.. فقال بعضهم :هو من قال أو فعل البدعة ، ولو لم تقع عليه الحجة ، ومنهم من قال لابد من إقامةالحجة عليه ، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصَّلوا أصولهمالمخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي، وعدم الترحم عليهم ، نطلب من فضيلتكم تجلية هذه المسألة التي كثر الخوض فيها،جزاكم الله خيرًا؟
فأجاب مشكوراً :
أولاً : لا ينبغيللطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق ، لأن ذلك أمرخطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع، وأيضًاهذا يحدث العداوة والبغضاء بينهم ، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم وكف ألسنتهمعما لا فائدة فيه، بل فيه مضرة عليهم وعلىغيرهم.
ثانيًا : البدعة: ماأحدث في الدين مما ليس منه لقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " [رواه الإمام البخاري في "صحيحه"(3/167) من حديث عائشة رضي الله عنها]،وإذا فعل الشيء المخالفجاهلاً فإنه يعذر بجهله ولا يحكم عليه بأنه مبتدع، لكن ما عمله يعتبربدعة.
ثالثًا: منكان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره كابن حجر والنووي ، وما قد يقع منهما منتأويل بعض الصفات لا يحكم عليه بأنه مبتدع ، ولكن يُقال: هذا الذي حصل منهما خطأ ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمةلسنة رسول الله صلىالله عليه وسلم ، فهما إمامان جليلان موثوقان عند أهل العلم "(6).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " فكوننا نقول: إن هذا مبتدع ، لأنه خالف اجتهادنا ، هذا ثقيل على الإنسان ، ولا ينبغي للإنسان أن يطلق كلمة بدعة في مثل هذا ، لأنه يؤدي إلى تبديع الناس بعضهم بعضاً في المسائل الاجتهادية التي يكون الحق فيها محتملاً في هذا القول أو ذاك، فيحصل به من الفرقة والتنافر ما لا يعلمه إلا الله "(7).
لقد أدى هذا المسلك الخطير إلى تبديع العلماءوالدعاة وطلاب العلم من صغار الأبناء فضلاً عن مشايخ هذهالطريقة.
وإليكم هذه الكلمات المضيئة لشيخ الإسلام عبد العزيز بنباز رحمه الله أنقلها بطولها لأهميتها في هذا الباب حيث قال في مقالٍ له :" فإنالله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الظلم والبغي والعدوان ، وقد بعث اللهنبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بما بعث به الرسل جميعاً من الدعوة إلى التوحيدوإخلاص العبادة لله وحده . وأمره بإقامة القسط ونهاه عن ضد ذلك من عبادة غير الله ،والتفرق والتشتت والاعتداء على حقوق العباد.
وقد شاع في هذاالعصر أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير يقعون في أعراض كثير منإخوانهم الدعاة المشهورين ، ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاةوالمحاضرين ، يفعلون ذلك سراً في مجالسهم ، وربما سجلوه في أشرطة تنشر على الناس ،وقد يفعلونه علانية في محاضرات عامة في المساجد ، وهذا المسلك مخالف لما أمر اللهبه ورسوله من جهات عديدة منها :
أولاً : أنه تعد على حقوق الناس منالمسلمين ، بل من خاصة الناس من طلبة العلم والدعاة الذين بذلوا وسعهم في توعيةالناس وإرشادهم وتصحيح عقائدهم ومناهجهم ، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضراتوتأليف الكتب النافعة.
ثانياً : أنه تفريق لوحدة المسلمين وتمزيق لصفهم ، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والبعد عنالشتات والفرقة وكثرة القيل والقال فيما بينهم ، خاصة وأن الدعاة الذين نيل منهم هممن أهل السنة والجماعة المعروفين بمحاربة البدع والخرافات ، والوقوف في وجه الداعيةإليها ، وكشف خططهم وألاعيبهم ، ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداءالمتربصين من أهل الكفر والنفاق أو من أهل البدع والضلال.
ثالثا : أن هذا العملفيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين وغيرهم من الملاحدة الذيناشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة والكذب عليهم والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه ، وليسمن حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم من طلبة العلموالدعاة وغيرهم.
رابعاً : أن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة ، ونشراً وترويجاًللأكاذيب والإشاعات الباطلة ، وسبباً في كثرة الغيبة والنميمة وفتح أبواب الشر علىمصاريعها لضعاف النفوس الذين يدأبون على بث الشبه وإثارة الفتن ويحرصون على إيذاءالمؤمنين بغير ما اكتسبوا.
خامساً : أن كثيراً من الكلامالذي قيل لا حقيقة له ، وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهمبها وقد قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا"(8). (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=49&nAya=12)
والمؤمن ينبغي أن يحمل كلامأخيه المسلم على أحسن المحامل ، وقد قال بعض السلف : لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءوأنت تجد لها في الخير محملاً.
سادساً : وما وجد مناجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولايثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن ، حرصاً على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين ، فإن لم يتيسر ذلك ، ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة ، ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه ، ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثلهذه الأمور " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا "(9) ، فالذي أنصح بههؤلاء الأخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة ونالوا منهم أن يتوبوا إلى الله تعالىمما كتبته أيديهم ، أو تلفظت به ألسنتهم مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشبابوشحنهم بالأحقاد والضغائن ، وشغلهم عن طلب العلم النافع ، وعن الدعوة إلى اللهبالقيل والقال والكلام عن فلان وفلان ، والبحث عما يعتبرونه أخطاء للآخرين وتصيدها، وتكلف ذلك.
كما أنصحهم أن يكفروا عما فعلوا بكتابة أو غيرها ممايبرئون فيه أنفسهم من مثل هذا الفعل ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليه من قولهم، وأن يقبلوا على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله وتكون نافعة للعباد ، وأنيحذروا من التعجل في إطلاق التكفير أو التفسيق أو التبديع لغيرهم بغير بينة ولابرهان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قال لأخيهيا كافر فقد باء بها أحدهما (http://www.binbaz.org.sa/Takreej.asp?f=HadN2310)" متفق على صحته.
ومن المشروع لدعاة الحق وطلبة العلم إذا أشكل عليهمأمر من كلام أهل العلم أو غيرهم أن يرجعوا فيه إلى العلماء المعتبرين ويسألوهم عنهليبينوا لهم جلية الأمر ويوقفوهم على حقيقته ويزيلوا ما في أنفسهم من الترددوالشبهةعملاً بقول الله عز وجل في سورة النساء " وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً"(10).
والله المسئولأن يصلح أحوال المسلمين جمعياً ويجمع قلوبهم وأعمالهم على التقوى ، وأن يوفق جميععلماء المسلمين ، وجميع دعاة الحق لكل ما يرضيه وينفع عباده ، ويجمع كلمتهم علىالهدى ويعيذهم من أسباب الفرقة والاختلاف"(11).
ولما نشر هذاالمقال استغله بعض الناس لصالحهم ، وقالوا قصد سماحة الشيخ بهم فلاناً وفلاناً منالناس ، فرد سماحته بمقال آخر قال فيه : " أردنا فيهنصيحة إخواني العلماء والدعاة بأن يكون نقدهم لإخوانهم فيما يصدر من مقالات أوندوات أو محاضرات أن يكون نقداً بناًء بعيداً عن التجريح وتسمية الأشخاص ، لأن هذاقد يسبب شحناء وعداوة بين الجميع.
وكان من عادةالنبي صلى الله عليه وسلم وطريقته إذا بلغه عن بعض أصحابه شيء لا يوافق الشرع نبهعلى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا " ثم يبين الأمر الشرعي عليه الصلاة والسلام ، ومن ذلك أنه بلغه أنبعض الناس قال " أما أنا فأصلي ولا أنام ، وقال الآخر أما أنا فأصوم ولا أفطر ،وقال آخر أما أنا فلا أتزوج النساء فخطب الناس صلى الله عليه وسلم وحمد الله وأثنىعليه ثم قال : " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(12).
فمقصوديهو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أي أن التنبيه يكون بمثل هذا الكلام ، بعضالناس قال كذا ، وبعض الناس يقول كذا ، والمشروع كذا ، والواجب كذافيكون الانتقاد من غير تجريح لأحد معين ، ولكن من باب بيانالأمر الشرعي ، حتى تبقى المودة والمحبة بين الإخوان وبين الدعاة وبينالعلماء،ولست أقصد بذلك أناساً معينين وإنما قصدتالعموم جميع الدعاة والعلماء في الداخل والخارج فنصيحتي للجميع أن يكون التخاطبفيما يتعلق بالنصيحة والنقد من طريق الإبهام لا من طريق التعيين إذ المقصود التنبيهعلى الخطأ والغلط وما ينبغي من بيان الصواب والحق من دون حاجة إلى تجريح فلان وفلان . وفق الله الجميع "(13)أهـ.
ثم إذا اعتذر المتكلم في حالحياته عن مقالته فاقبل عذره فإن ذلك من الأدب الشرعي وحسن الظن ، وكما قيل :
إذا اعتذرَ الجانيْ محا العُذْرُ ذَنْبَهُ وكلُّ امرئٍ لايَقبلُ العذرَ مُذْنبُ
وقال آخر :
إذا ما امرؤٌمِنْ ذنبهِ جاء تائبـاً إليـكْ فلم تَغْفِرْ لهُ فلكَالذنـبُ
فالواجب أن يتحاور الجميع ويتناصحوا على ضوءالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، فإن اشتد خلافهم دون وصول إلى الألفة ، لزم أنيكون حوارهم بمحضر مجتهد العصر الذين شهد لهم الجميع بالإمامة حتى تُطفئ نار الفتنةبين الدعاة إلى الله وطلاب العلم لتكون سلفية الجميع على مراد الشرع القويم ، واللهمن وراء القصد.
المصدر : www.albidhani.com
موقع الشيخ الدكتور صادق بن محمد البيضاني
المنهج السلفي العتيق منهج واحد منذ العهد النبوي حتى قيامالساعة مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم مَنْ خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك "(1).
والجديد ما أحدثه بعض المنتسبين لهذا المنهجالمبارك من محدثات الأفكار والمناهج والآراء التي تنافي منهج أهل السنة والجماعةكالتعصب للمشايخ والجماعات الحزبية ذات الولاء الضيق والتنظيمات المناوئة ونحو ذلك، فهذه الأمثلة ونحوها اجتهادات فردية وإن وصل بها البعض إلى درجة تكوين جماعة منالأتباع أو المحبين أو المقلدين لمآرب كانت أو عواطف أو اقتناع بالمسار الذي يسيرعليه ، ولا مسار لهذه الأمة سوى المسار السلفي العتيق.
ولايمكن لعاقل بصير أن يتهم أحداً ممن يعتنق العقيدة السلفية بالإبتداع بمجرد رأيتبناه له وجه شرعي أو سبقه إليه إمام من أهل السنة وإن كان في نفسه رأياً مرجوحاًأو بمجرد تأويل تأوله أو لكلام مجمل صدر منه يحتمل الصواب والخطأ أو اجتهاد خاطئيمكن تدارك هذا ونحوه بالنصح والحوار ، إلا أننا بلينا ببعض الأفراد من طلاب العلموربما من مشاهير مشايخ العصر الذين لا يمنع بعضهم علمه وإيمانه من توجيه تهمةالبدعة قبل أن تتوفر شروطها إلى فلان من الناس لتبنيه ذلك الرأي المرجوح أو بسببصدور الخطأ منه ونحو ذلك وهذا مسلك من مسالك الغلو ، مع أن العلاج الصحيح هو طلبالإعتذار له في بداية الأمر وحسن الظن به حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهةوخصوصاً إذا كان الزالُّ رجلاً ثقةً مشهوداً له بالعلم والإيمانوالاستقامة.
يُروى عن ابن سيرين أنه قال : " إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً فإن لم تجد له عذراً فقل له عذر"(2).
قال السبكي : " إذا كان الرجلُ ثقةً مشهوداً له بالإيمان والاستقامة ، فلا ينبغي أن يُحمل كلامه وألفاظ كتابته على غير ما تُعود منه ومن أمثاله ، بل ينبغي التأويل الصالح ، وحسن الظن به وبأمثاله "(3).
ومعنى ذلك " أنه يجب أنيُفسَّر كلام المتكلِّم بعضه ببعض ، ويُؤْخذ كلامه هاهنا وهاهنا ، وتُعرف ما عادتهيعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلّم به، وتُعرف المعاني التي عُرف أنهأرادها في موضع آخر ، فإذا عُرف عُرْفُه وعادتُه في معانيه وألفاظه ، كان هذا ممايُستعان به على معرفة مراده ، وأما إذا استُعمل لفظه في معنى لم تجر عادتهباستعماله فيه ، وتُرِك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه، وحُملكلامه على خلاف المعنى الذي قد عُرف أنه يريده بذلك اللفظ بجعل كلامه متناقضاً ،وترك حمله على ما يناسب سير كلامه ، كان ذلك تحريفًا لكلامه عن موضعه ، وتبديلاًلمقاصده، وكذباً عليه ، فهذا أصل من ضل في تأويل كلام الأنبياء على غير مرادهم"(4) ، " وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ ، كلمات مشتبهةمجملة ، فيحملونها على المعاني الفاسدة ، كما فعلت النصارى فيما نُقِل لهم عنالأنبياء، فيَدَعون المحكم ، ويتبعون المتشابه "(5).
وكذلك الذي يتبنى الرأي المرجوح ويدافع عنه أو يتأول فيالمسائل خطأ فإنه لا بد من طلب الإعتذار له ابتداءً حتى يناصح ويحاجج عليه ولايَفْصِلُ في أمره وحاله إلا كبار الأئمة لا بعض المشايخ وطلاب العلم وبعض صغارالطلاب.
سأل أحدهم شيخنا صالح الفوزان هذا السؤال : لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع.. فقال بعضهم :هو من قال أو فعل البدعة ، ولو لم تقع عليه الحجة ، ومنهم من قال لابد من إقامةالحجة عليه ، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصَّلوا أصولهمالمخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي، وعدم الترحم عليهم ، نطلب من فضيلتكم تجلية هذه المسألة التي كثر الخوض فيها،جزاكم الله خيرًا؟
فأجاب مشكوراً :
أولاً : لا ينبغيللطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق ، لأن ذلك أمرخطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع، وأيضًاهذا يحدث العداوة والبغضاء بينهم ، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم وكف ألسنتهمعما لا فائدة فيه، بل فيه مضرة عليهم وعلىغيرهم.
ثانيًا : البدعة: ماأحدث في الدين مما ليس منه لقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " [رواه الإمام البخاري في "صحيحه"(3/167) من حديث عائشة رضي الله عنها]،وإذا فعل الشيء المخالفجاهلاً فإنه يعذر بجهله ولا يحكم عليه بأنه مبتدع، لكن ما عمله يعتبربدعة.
ثالثًا: منكان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره كابن حجر والنووي ، وما قد يقع منهما منتأويل بعض الصفات لا يحكم عليه بأنه مبتدع ، ولكن يُقال: هذا الذي حصل منهما خطأ ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمةلسنة رسول الله صلىالله عليه وسلم ، فهما إمامان جليلان موثوقان عند أهل العلم "(6).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " فكوننا نقول: إن هذا مبتدع ، لأنه خالف اجتهادنا ، هذا ثقيل على الإنسان ، ولا ينبغي للإنسان أن يطلق كلمة بدعة في مثل هذا ، لأنه يؤدي إلى تبديع الناس بعضهم بعضاً في المسائل الاجتهادية التي يكون الحق فيها محتملاً في هذا القول أو ذاك، فيحصل به من الفرقة والتنافر ما لا يعلمه إلا الله "(7).
لقد أدى هذا المسلك الخطير إلى تبديع العلماءوالدعاة وطلاب العلم من صغار الأبناء فضلاً عن مشايخ هذهالطريقة.
وإليكم هذه الكلمات المضيئة لشيخ الإسلام عبد العزيز بنباز رحمه الله أنقلها بطولها لأهميتها في هذا الباب حيث قال في مقالٍ له :" فإنالله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الظلم والبغي والعدوان ، وقد بعث اللهنبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بما بعث به الرسل جميعاً من الدعوة إلى التوحيدوإخلاص العبادة لله وحده . وأمره بإقامة القسط ونهاه عن ضد ذلك من عبادة غير الله ،والتفرق والتشتت والاعتداء على حقوق العباد.
وقد شاع في هذاالعصر أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير يقعون في أعراض كثير منإخوانهم الدعاة المشهورين ، ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاةوالمحاضرين ، يفعلون ذلك سراً في مجالسهم ، وربما سجلوه في أشرطة تنشر على الناس ،وقد يفعلونه علانية في محاضرات عامة في المساجد ، وهذا المسلك مخالف لما أمر اللهبه ورسوله من جهات عديدة منها :
أولاً : أنه تعد على حقوق الناس منالمسلمين ، بل من خاصة الناس من طلبة العلم والدعاة الذين بذلوا وسعهم في توعيةالناس وإرشادهم وتصحيح عقائدهم ومناهجهم ، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضراتوتأليف الكتب النافعة.
ثانياً : أنه تفريق لوحدة المسلمين وتمزيق لصفهم ، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والبعد عنالشتات والفرقة وكثرة القيل والقال فيما بينهم ، خاصة وأن الدعاة الذين نيل منهم هممن أهل السنة والجماعة المعروفين بمحاربة البدع والخرافات ، والوقوف في وجه الداعيةإليها ، وكشف خططهم وألاعيبهم ، ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداءالمتربصين من أهل الكفر والنفاق أو من أهل البدع والضلال.
ثالثا : أن هذا العملفيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين وغيرهم من الملاحدة الذيناشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة والكذب عليهم والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه ، وليسمن حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم من طلبة العلموالدعاة وغيرهم.
رابعاً : أن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة ، ونشراً وترويجاًللأكاذيب والإشاعات الباطلة ، وسبباً في كثرة الغيبة والنميمة وفتح أبواب الشر علىمصاريعها لضعاف النفوس الذين يدأبون على بث الشبه وإثارة الفتن ويحرصون على إيذاءالمؤمنين بغير ما اكتسبوا.
خامساً : أن كثيراً من الكلامالذي قيل لا حقيقة له ، وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهمبها وقد قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا"(8). (http://quran.al-islam.com/Display/Display.asp?nType=1&nSeg=0&l=arb&nSora=49&nAya=12)
والمؤمن ينبغي أن يحمل كلامأخيه المسلم على أحسن المحامل ، وقد قال بعض السلف : لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءوأنت تجد لها في الخير محملاً.
سادساً : وما وجد مناجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولايثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن ، حرصاً على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين ، فإن لم يتيسر ذلك ، ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة ، ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه ، ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثلهذه الأمور " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا "(9) ، فالذي أنصح بههؤلاء الأخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة ونالوا منهم أن يتوبوا إلى الله تعالىمما كتبته أيديهم ، أو تلفظت به ألسنتهم مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشبابوشحنهم بالأحقاد والضغائن ، وشغلهم عن طلب العلم النافع ، وعن الدعوة إلى اللهبالقيل والقال والكلام عن فلان وفلان ، والبحث عما يعتبرونه أخطاء للآخرين وتصيدها، وتكلف ذلك.
كما أنصحهم أن يكفروا عما فعلوا بكتابة أو غيرها ممايبرئون فيه أنفسهم من مثل هذا الفعل ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليه من قولهم، وأن يقبلوا على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله وتكون نافعة للعباد ، وأنيحذروا من التعجل في إطلاق التكفير أو التفسيق أو التبديع لغيرهم بغير بينة ولابرهان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قال لأخيهيا كافر فقد باء بها أحدهما (http://www.binbaz.org.sa/Takreej.asp?f=HadN2310)" متفق على صحته.
ومن المشروع لدعاة الحق وطلبة العلم إذا أشكل عليهمأمر من كلام أهل العلم أو غيرهم أن يرجعوا فيه إلى العلماء المعتبرين ويسألوهم عنهليبينوا لهم جلية الأمر ويوقفوهم على حقيقته ويزيلوا ما في أنفسهم من الترددوالشبهةعملاً بقول الله عز وجل في سورة النساء " وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً"(10).
والله المسئولأن يصلح أحوال المسلمين جمعياً ويجمع قلوبهم وأعمالهم على التقوى ، وأن يوفق جميععلماء المسلمين ، وجميع دعاة الحق لكل ما يرضيه وينفع عباده ، ويجمع كلمتهم علىالهدى ويعيذهم من أسباب الفرقة والاختلاف"(11).
ولما نشر هذاالمقال استغله بعض الناس لصالحهم ، وقالوا قصد سماحة الشيخ بهم فلاناً وفلاناً منالناس ، فرد سماحته بمقال آخر قال فيه : " أردنا فيهنصيحة إخواني العلماء والدعاة بأن يكون نقدهم لإخوانهم فيما يصدر من مقالات أوندوات أو محاضرات أن يكون نقداً بناًء بعيداً عن التجريح وتسمية الأشخاص ، لأن هذاقد يسبب شحناء وعداوة بين الجميع.
وكان من عادةالنبي صلى الله عليه وسلم وطريقته إذا بلغه عن بعض أصحابه شيء لا يوافق الشرع نبهعلى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا " ثم يبين الأمر الشرعي عليه الصلاة والسلام ، ومن ذلك أنه بلغه أنبعض الناس قال " أما أنا فأصلي ولا أنام ، وقال الآخر أما أنا فأصوم ولا أفطر ،وقال آخر أما أنا فلا أتزوج النساء فخطب الناس صلى الله عليه وسلم وحمد الله وأثنىعليه ثم قال : " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(12).
فمقصوديهو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أي أن التنبيه يكون بمثل هذا الكلام ، بعضالناس قال كذا ، وبعض الناس يقول كذا ، والمشروع كذا ، والواجب كذافيكون الانتقاد من غير تجريح لأحد معين ، ولكن من باب بيانالأمر الشرعي ، حتى تبقى المودة والمحبة بين الإخوان وبين الدعاة وبينالعلماء،ولست أقصد بذلك أناساً معينين وإنما قصدتالعموم جميع الدعاة والعلماء في الداخل والخارج فنصيحتي للجميع أن يكون التخاطبفيما يتعلق بالنصيحة والنقد من طريق الإبهام لا من طريق التعيين إذ المقصود التنبيهعلى الخطأ والغلط وما ينبغي من بيان الصواب والحق من دون حاجة إلى تجريح فلان وفلان . وفق الله الجميع "(13)أهـ.
ثم إذا اعتذر المتكلم في حالحياته عن مقالته فاقبل عذره فإن ذلك من الأدب الشرعي وحسن الظن ، وكما قيل :
إذا اعتذرَ الجانيْ محا العُذْرُ ذَنْبَهُ وكلُّ امرئٍ لايَقبلُ العذرَ مُذْنبُ
وقال آخر :
إذا ما امرؤٌمِنْ ذنبهِ جاء تائبـاً إليـكْ فلم تَغْفِرْ لهُ فلكَالذنـبُ
فالواجب أن يتحاور الجميع ويتناصحوا على ضوءالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، فإن اشتد خلافهم دون وصول إلى الألفة ، لزم أنيكون حوارهم بمحضر مجتهد العصر الذين شهد لهم الجميع بالإمامة حتى تُطفئ نار الفتنةبين الدعاة إلى الله وطلاب العلم لتكون سلفية الجميع على مراد الشرع القويم ، واللهمن وراء القصد.
المصدر : www.albidhani.com
موقع الشيخ الدكتور صادق بن محمد البيضاني