جبل الهدا
09-10-2013, 06:04 AM
ماذا عن تطوير المعلمين والمعلمات؟
تطوير المناهج أحد الأهداف الرئيسة لخطة التنمية التاسعة، وهو لبنة مهمة لبرامج تطوير التعليم بهدف الاستجابة للتطورات العلمية والتقنية الحديثة، ولكن لن يتسنى تحقيق هذا الهدف بدون وجود معلمين ومعلمات أكفاء
تحدثت تقارير إعلامية مع بداية العام الدراسي الجديد، عن وجود تغيّر وتطور ملحوظ على معظم المقررات الدراسية لمراحل التعليم العام، ومن ذلك على سبيل المثال مادة "الفقه" للمرحلة الثانوية، التي تتناول حسب ما جاء في أحد التقارير: "أسباب ظهور المذاهب الفقهية الأربعة.. الحديث عن أسباب خلاف العلماء.. مناقشة أحكام فقهية في مواضيع مستجدة في العصر الحديث.. الاهتمام برأي الطالب في نهاية كل درس".
ولم يقتصر التغيير على المواد الدراسية الدينية وحسب، بل طال أيضاً المقررات العلمية مثل الرياضيات والعلوم وخاصةً في المرحلة الابتدائية، فقد لوحظ في هذه المقررات التركيز على إكساب الطلاب مهارات البحث والاستقصاء في مجال العلوم، والتركيز على أساسيات ومبادئ البحوث العلمية.
وبشكل عام، وكما يبدو فإن المقررات التعليمية تركز على ربط الطالب والطالبة بالواقع والمستجدات الحديثة، والتركيز على مهارات التفكير والإبداع بدلاً من التلقين والحفظ.
لا شك أن تطوير المناهج التعليمية يمثل أحد الأهداف الرئيسية لخطة التنمية التاسعة للدولة، ويمثل أيضاً لبنة رئيسية لبرامج تطوير التعليم في المملكة بهدف الاستجابة للتطورات العلمية والتقنية الحديثة، ولكن لن يتسنى تحقيق هذا الهدف بدون وجود معلمين ومعلمات أكفاء ومؤهلين قادرين على استيعاب التطوير والابتكار.
لقد تطرّق الكثير من الكتّاب وخبراء التعليم لمشاكل التعليم العام في المملكة، وقد تناولوا العديد من العوامل التي توثر بشكل سلبي على المسيرة التعليمية، وذكروا منها: مشكلة المقررات، والبيئة المدرسية، ومشاكل تأهيل المعلمين والمعلمات، والمسؤولون في وزارة التربية والتعليم يدركون جيداً وجود هذه الإشكاليات، وقد سعت الوزارة في هذا المجال إلى تقليص المباني التعليمية المستأجرة لتحسين البيئة المدرسية وإلى تطوير المقررات الدراسية كما رأينا آنفاً، كما طرحت العديد من المبادرات في سبيل تأهيل المعلمين والمعلمات منها: البرامج التدريبية، قياس الكفايات المطلوبة، رفع معايير التوظيف للالتحاق بمهنة التدريس.
وبعد كل هذه الجهود، فإني أتساءل: هل تحسن مستوى التعليم في المملكة؟ صحيح أن تحقيق الارتقاء بأداء التعليم لا يمكن حصره بمدة زمنية قصيرة فهي عملية مستمرة ودائمة، والجهود التي تبذلها الوزارة يجب تعزيزها ودعمها كعملية مستدامة، ولكن في نفس الوقت يجب تقويم مدى نجاح هذه الجهود في تطوير التعليم.
فالوزارة قامت بتطوير المقررات الدراسية، وركزت على تطوير مهارات التفكير والإبداع لدى الطالب والطالبة بدلاً من التركيز على أسلوب التلقين والحفظ الذي ابتلي به التعليم لسنوات طويلة، ولكن ما الذي يضمن أن هذه المهارات لن يتم تلقينها للطلبة من قبل المعلمين والمعلمات؟ وبالتالي قد تذهب جهود الوزارة أدراج الرياح في مجال تطوير المناهج.
قد يقول قائل إن "برامج التدريب والتأهيل للمعلمين والمعلمات قادرة على تطوير قدراتهم التدريسية والقيادية، وبالتالي تحقيق أهداف تطوير المناهج التعليمية"، وبالرغم من الوجاهة المنطقية لهذا التعليل، إلا أني أرى أن هذه البرامج قد لا تحقق أهدافها المطلوبة، وذلك لعدة أسباب منها: أولاً؛ لا يوجد لدى الوزارة قياس للأثر التدريبي، وبالتالي لا نستطيع الحكم على نجاح هذه البرامج، ثانياً؛ بعض المعلمين والمعلمات يتعلمون وينادون بالطرق والوسائل الجديدة في التعليم وفي الوقت نفسه يقاومون أية عملية تغيير أو تطوير.
ثالثاً؛ وهذه النقطة بالذات تعد في رأيي أهم الأسباب، والتي لم تأخذ حقها في النقاش والتحليل، فالكثير من المعلمين والمعلمات يعزون سبب تدني مستوى المعلم أو المعلمة إلى قلة الرواتب والحوافز، لذا يرون أنهم محبطون ولا يستطيعون القيام برسالتهم التعليمية على أكمل وجه، وبالتالي مهما كانت هناك برامج تدريبية مكثفة فهي تحصيل حاصل، وحتى برامج القياس والإشراف أصبحت في رأيهم تشكل عبئاً ثقيلاً عليهم!.
والمشكلة الحقيقية في رأيي ليست في قلة الرواتب والحوافز، فحتى إن زادت فستبقى مشكلة الإحباط موجودة، والمشكلة تكمن في وجود المساواة بين المعلمين الجيدين وبين المعلمين السيئين في الحوافز والرواتب، بل قد يصل الأمر إلى مكافأة المعلم السيئ ومعاقبة المعلم الجيد بسبب الواسطة والمحسوبية وفساد الإدارة المدرسية أو التعليمية.
هناك من المعلمين والمعلمات من يتحمس لمواضيع التعليم ويحرص على تعليم الطلبة والطالبات، بل إن منهم من قد يدفع من أمواله الخاصة في سبيل تطوير قدراتهم التدريسية، وقد يبذلون جهوداً ذاتية في سبيل تطوير الوسائل التعليمية.
ومنهم من قد ينام في الفصل الدراسي، أو أنه كثير الغياب ومنهم من تكون أخلاقه سيئة، وليس لديهم أية اهتمام لا بالتعليم ولا بالطلبة لأنهم في النهاية سوف يحصلون على رواتبهم وعلى ترقياتهم، وربما نالوا مكافآت وحوافز ومكانة أكثر من غيرهم.
هذه هي المشكلة الحقيقية التي تواجه وزارة التربية والتعليم، والتي ربما تعجز عن مواجهتها وحلّها، فكيف يمكن مكافأة المعلم الصالح ومعاقبة المعلم الفاسد؟ فالواقع يخبرنا العكس، فالمعلم السيئ قد يعاقب بتقليص الحصص الدراسية أو نقله إلى وظيفة إدارية في أسوأ الأحوال أو نقله لمدرسة يحددها بنفسه للتخلص منه، والمعلم المجتهد قد يكافأ بزيادة الحصص عليه وتكليفه بالأنشطة اللاصفية وغيرها وعدم إتاحة الفرصة له حتى في الدورات التدريبية بسبب الحاجة إليه.
لقد عملت وزارة التربية والتعليم على تنفيذ مجموعة من مشاريع التطوير النوعي للتعليم منها: المشروع الشامل لتطوير المناهج، ومشروع نظام المقررات، ومشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، ولكن لا توجد هناك مشاريع لتطوير المعلمين والمعلمات، وأقصد بذلك تحفيز المعلمات والمعلمين الجيدين، وعدم مساواتهم بالمسيئين منهم، مع مكافحة أوجه الفساد في الإدارات المدرسية والتعليمية، فالمعلمون والمعلمات يمثلون العنصر الأساس في ضمان مخرجات تعليمية يمكن أن تساهم بفاعلية في التنمية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بوجود المعلمين والمعلمات الأكفاء الذين ربما قد نخسرهم بسبب المساواة في الرواتب والحوافز.
سطام عبدالعزيز المقرن
صحيفة الوطن
4/11/ 1434
تطوير المناهج أحد الأهداف الرئيسة لخطة التنمية التاسعة، وهو لبنة مهمة لبرامج تطوير التعليم بهدف الاستجابة للتطورات العلمية والتقنية الحديثة، ولكن لن يتسنى تحقيق هذا الهدف بدون وجود معلمين ومعلمات أكفاء
تحدثت تقارير إعلامية مع بداية العام الدراسي الجديد، عن وجود تغيّر وتطور ملحوظ على معظم المقررات الدراسية لمراحل التعليم العام، ومن ذلك على سبيل المثال مادة "الفقه" للمرحلة الثانوية، التي تتناول حسب ما جاء في أحد التقارير: "أسباب ظهور المذاهب الفقهية الأربعة.. الحديث عن أسباب خلاف العلماء.. مناقشة أحكام فقهية في مواضيع مستجدة في العصر الحديث.. الاهتمام برأي الطالب في نهاية كل درس".
ولم يقتصر التغيير على المواد الدراسية الدينية وحسب، بل طال أيضاً المقررات العلمية مثل الرياضيات والعلوم وخاصةً في المرحلة الابتدائية، فقد لوحظ في هذه المقررات التركيز على إكساب الطلاب مهارات البحث والاستقصاء في مجال العلوم، والتركيز على أساسيات ومبادئ البحوث العلمية.
وبشكل عام، وكما يبدو فإن المقررات التعليمية تركز على ربط الطالب والطالبة بالواقع والمستجدات الحديثة، والتركيز على مهارات التفكير والإبداع بدلاً من التلقين والحفظ.
لا شك أن تطوير المناهج التعليمية يمثل أحد الأهداف الرئيسية لخطة التنمية التاسعة للدولة، ويمثل أيضاً لبنة رئيسية لبرامج تطوير التعليم في المملكة بهدف الاستجابة للتطورات العلمية والتقنية الحديثة، ولكن لن يتسنى تحقيق هذا الهدف بدون وجود معلمين ومعلمات أكفاء ومؤهلين قادرين على استيعاب التطوير والابتكار.
لقد تطرّق الكثير من الكتّاب وخبراء التعليم لمشاكل التعليم العام في المملكة، وقد تناولوا العديد من العوامل التي توثر بشكل سلبي على المسيرة التعليمية، وذكروا منها: مشكلة المقررات، والبيئة المدرسية، ومشاكل تأهيل المعلمين والمعلمات، والمسؤولون في وزارة التربية والتعليم يدركون جيداً وجود هذه الإشكاليات، وقد سعت الوزارة في هذا المجال إلى تقليص المباني التعليمية المستأجرة لتحسين البيئة المدرسية وإلى تطوير المقررات الدراسية كما رأينا آنفاً، كما طرحت العديد من المبادرات في سبيل تأهيل المعلمين والمعلمات منها: البرامج التدريبية، قياس الكفايات المطلوبة، رفع معايير التوظيف للالتحاق بمهنة التدريس.
وبعد كل هذه الجهود، فإني أتساءل: هل تحسن مستوى التعليم في المملكة؟ صحيح أن تحقيق الارتقاء بأداء التعليم لا يمكن حصره بمدة زمنية قصيرة فهي عملية مستمرة ودائمة، والجهود التي تبذلها الوزارة يجب تعزيزها ودعمها كعملية مستدامة، ولكن في نفس الوقت يجب تقويم مدى نجاح هذه الجهود في تطوير التعليم.
فالوزارة قامت بتطوير المقررات الدراسية، وركزت على تطوير مهارات التفكير والإبداع لدى الطالب والطالبة بدلاً من التركيز على أسلوب التلقين والحفظ الذي ابتلي به التعليم لسنوات طويلة، ولكن ما الذي يضمن أن هذه المهارات لن يتم تلقينها للطلبة من قبل المعلمين والمعلمات؟ وبالتالي قد تذهب جهود الوزارة أدراج الرياح في مجال تطوير المناهج.
قد يقول قائل إن "برامج التدريب والتأهيل للمعلمين والمعلمات قادرة على تطوير قدراتهم التدريسية والقيادية، وبالتالي تحقيق أهداف تطوير المناهج التعليمية"، وبالرغم من الوجاهة المنطقية لهذا التعليل، إلا أني أرى أن هذه البرامج قد لا تحقق أهدافها المطلوبة، وذلك لعدة أسباب منها: أولاً؛ لا يوجد لدى الوزارة قياس للأثر التدريبي، وبالتالي لا نستطيع الحكم على نجاح هذه البرامج، ثانياً؛ بعض المعلمين والمعلمات يتعلمون وينادون بالطرق والوسائل الجديدة في التعليم وفي الوقت نفسه يقاومون أية عملية تغيير أو تطوير.
ثالثاً؛ وهذه النقطة بالذات تعد في رأيي أهم الأسباب، والتي لم تأخذ حقها في النقاش والتحليل، فالكثير من المعلمين والمعلمات يعزون سبب تدني مستوى المعلم أو المعلمة إلى قلة الرواتب والحوافز، لذا يرون أنهم محبطون ولا يستطيعون القيام برسالتهم التعليمية على أكمل وجه، وبالتالي مهما كانت هناك برامج تدريبية مكثفة فهي تحصيل حاصل، وحتى برامج القياس والإشراف أصبحت في رأيهم تشكل عبئاً ثقيلاً عليهم!.
والمشكلة الحقيقية في رأيي ليست في قلة الرواتب والحوافز، فحتى إن زادت فستبقى مشكلة الإحباط موجودة، والمشكلة تكمن في وجود المساواة بين المعلمين الجيدين وبين المعلمين السيئين في الحوافز والرواتب، بل قد يصل الأمر إلى مكافأة المعلم السيئ ومعاقبة المعلم الجيد بسبب الواسطة والمحسوبية وفساد الإدارة المدرسية أو التعليمية.
هناك من المعلمين والمعلمات من يتحمس لمواضيع التعليم ويحرص على تعليم الطلبة والطالبات، بل إن منهم من قد يدفع من أمواله الخاصة في سبيل تطوير قدراتهم التدريسية، وقد يبذلون جهوداً ذاتية في سبيل تطوير الوسائل التعليمية.
ومنهم من قد ينام في الفصل الدراسي، أو أنه كثير الغياب ومنهم من تكون أخلاقه سيئة، وليس لديهم أية اهتمام لا بالتعليم ولا بالطلبة لأنهم في النهاية سوف يحصلون على رواتبهم وعلى ترقياتهم، وربما نالوا مكافآت وحوافز ومكانة أكثر من غيرهم.
هذه هي المشكلة الحقيقية التي تواجه وزارة التربية والتعليم، والتي ربما تعجز عن مواجهتها وحلّها، فكيف يمكن مكافأة المعلم الصالح ومعاقبة المعلم الفاسد؟ فالواقع يخبرنا العكس، فالمعلم السيئ قد يعاقب بتقليص الحصص الدراسية أو نقله إلى وظيفة إدارية في أسوأ الأحوال أو نقله لمدرسة يحددها بنفسه للتخلص منه، والمعلم المجتهد قد يكافأ بزيادة الحصص عليه وتكليفه بالأنشطة اللاصفية وغيرها وعدم إتاحة الفرصة له حتى في الدورات التدريبية بسبب الحاجة إليه.
لقد عملت وزارة التربية والتعليم على تنفيذ مجموعة من مشاريع التطوير النوعي للتعليم منها: المشروع الشامل لتطوير المناهج، ومشروع نظام المقررات، ومشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، ولكن لا توجد هناك مشاريع لتطوير المعلمين والمعلمات، وأقصد بذلك تحفيز المعلمات والمعلمين الجيدين، وعدم مساواتهم بالمسيئين منهم، مع مكافحة أوجه الفساد في الإدارات المدرسية والتعليمية، فالمعلمون والمعلمات يمثلون العنصر الأساس في ضمان مخرجات تعليمية يمكن أن تساهم بفاعلية في التنمية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بوجود المعلمين والمعلمات الأكفاء الذين ربما قد نخسرهم بسبب المساواة في الرواتب والحوافز.
سطام عبدالعزيز المقرن
صحيفة الوطن
4/11/ 1434