جبل الهدا
01-12-2014, 06:43 AM
نظرات في استراتيجية التعليم
التعليم الوطني لا يستورد وإنما يصنع محليا حتى ينتج المواطن الصالح، ونستطيع الاستفادة من تقنيات التعليم المختلفة في دول العالم، ولكننا لا نحتاج لاستيراد المحتوى بشكله المعمول به في الغرب
لقد ورثتم يا سمو الوزير تركة من المشاكل لا يمكن حلها بطريقة سحرية، ولا بقرار أو زيارة أو صرف أو نقل موظف أو تثبيت بعض المعلمات، أو ببناء بعض المدارس أو توفير وسائل النقل للطلاب والطالبات أو تدريب المعلمين على رأس العمل.
الموضوع بحاجة إلى إعادة نظر في فلسفة التعليم واستراتيجيته ومهمته بل وسياسته. لماذا ندرس 12 سنة ونتخرج ونحن لا نعرف نكتب ولا نقرأ ولا نعبر عن أنفسنا، بل نشعر بالخوف والجزع لمجرد أن يسألنا أحد عن رأينا في أي شيء؟ لماذا نكره الدراسة ونساق إليها في كل صباح مكرهين وكأننا في خدمة عسكرية في جبهة من جبهات القتال التي لا غاية لها؟
تعليمنا عبر 12 سنة لم ينتج سوى مخرجات هزيلة متواضعة لا تقاس بما تصرف عليه الدولة من أموال إذا قسناها بمقياس الربح والخسارة، فالدولة خاسرة، والأسرة خاسرة، والطلاب والطالبات خاسرون والمجتمع خاسر، لأن العائد من التكلفة الحقيقية غير مربح على جميع المستويات. والسؤال ماذا تريد الدولة من التعليم؟ هل تريدنا أن نتحول إلى دعاة ننشر الدين في مشارق الأرض ومغاربها، أم تريدنا جنودا تغزو بنا في الأمصار، أم تريدنا مجتمعا مصنعا لإنتاج البواخر والطائرت والسيارات والمعدات العسكرية ووسائل النقل والاتصالات وإنتاج المصنوعات والتقنية بمختلف أنواعها حتى تستطيع أن تتجاوز البترول، أم أنها تريدنا منتجين للزراعة، أم تريدنا رياضيين أو فنانين، أم أنها تريدنا مجتمعا متميزا في وطننا نعمل فيه بامتياز وطني كامل وبجد وإخلاص وولاء في جميع المؤسسات والميادين؟
هذا هو السؤال الذي تجب الإجابة عليه، لأن التعليم مرتبط بهدف الدولة الاستراتيجي، لا يمكن بأي حال من الأحول أن يستمر التعليم 12 سنة ونحن لا نعرف نتقن الكتابة ولا القراءة والتعبير ولا المحادثة، ولا الاستيعاب. وإذا كنا كذلك، فكيف نفهم العلوم والمعارف ونتقن المهارات التي يجب أن نتعلمها في مدارسنا؟ لهذا وجب أن تكون السياسة التعليمية واضحة ومبنية على أهداف وطنية دقيقة حتى يتم وضع الخطط الدراسية وفقها، وبدونها سوف نستمر في مدارس تضييع الوقت والعمر، التي لا يتعلم فيها الطالب سوى الشيء البسيط مقارنة بالوقت الذي يقضيه في التعليم العام، لهذا فإن الهدف الأول للدولة هو إيجاد المواطن الصالح الذي لا يمكن أن يكون مواطنا صالحا وهو لا يتقن القراءة ولا الكتابة والتعبير والمحادثة ولا يستوعب ما يتعلم.
هذا المواطن الصالح لن يكون صالحا إذا لم يتم تأسيسه على أساس متين بحيث يجيد أدوات التعلم، ويمكن منها حتى يعتمد على مهاراته في إتقان العلوم والمعارف والمهارات التي لا يمكن إتقانها بدون أن يسبق ذلك إتقان وتجويد لأدوات التعلم. كيف يتعلم من لا يعرف يقرأ أو يعرف يكتب أو يعبر أو يتحدث، بل من لا تمكنه أدوات التعلم من الاستيعاب. هذا هو الهدف الاستراتيجي للدولة من التعليم والذي يقوم على إتقان أدوات التعلم بحزم وصرامة ووفق معايير لا تقبل المهادنة من المؤسسة التعليمية ولا من الأسرة والمجتمع والدولة.
لقد فرطت الوزارة في تجريب طرق حديثة على مدار العقود الماضية وظن بعضهم أننا مجتمع ديموقراطي فحاول بناء التعليم على أسس وسياسات ونظريات غربية. نسي أن يفهم نظام الدولة ومنهجها بل وسياستها. التعليم الوطني لا يستورد وإنما يصنع محليا حتى ينتج المواطن الصالح، ونستطيع الاستفادة من تقنيات التعليم المختلفة في دول العالم، ولكننا لا نحتاج لاستيراد المحتوى بشكله المعمول به في الغرب حتى العلمي في صيغته وقوالبه الغربية، ولكننا نحتاج إلى توطين تلك العلوم والتقنيات وفق مرجعياتنا وسياساتنا ومعاييرنا. لا يمكن للكوري أن يتعلم ما يتعلم الأميركي أو الفرنسي، ولهذا تتفجر الأوطان بعد أن يتحول مواطنوها إلى مواطنين ناقلين لقيم تتعارض مع القيم الوطنية ومرجعياتها.
توطين التعليم يبدأ بإعادة صياغة السياسة التعليمية وأهدافها، يلي ذلك وضع مخطط للمحتوى والكفايات في كل مقرر بحيث يتم تصميمه بما يتفق مع السياسة التعليمية والأهداف الوطنية حتى لا تختلف المناهج التي تشكل الوعي والقدرات والمفاهيم والمصطلحات مع القيم الوطنية فتحدث انقلابا في رؤية المواطن للوطنية والمواطنة والوطن.
لقد جنحت بعض مؤسساتنا التعليمية وخرجت عن مسار السياسة التعليمية، بل إن بعضها قد أفرزت مخرجات ملتبسة الفهم حول وطنيتها ومواطنتها وقيمها الاجتماعية ومرجعياتها وثوابتها، وسوف تستمر في الخروج والجنوح عن الأطر والمعايير الوطنية الصماء والبكماء وأقول الجامدة التي لم تتحرك لتحرك وتغير وتضبط الجودة والنوعية وترشد الهدر المالي والمادي والبشري وتحافظ على الوحدة الوطنية وعلى سيادة العقول الوطنية قبل أن تسود في عقولهم وطنيات وهويات وانتماءات أخرى تتعارض مع المواطنة والوطنية والوطن.
إن غياب السياسة التعليمية المقننة والتي تخضع لمعايير ومراقبة وتقييم مستمر وشامل يكشف المتغيرات ويحدد الخلل ويقدم الحلول قبل أن تخرج العملية التعليمة عن مسارها الوطني وتتحول إلى شيء آخر، ليس ذكاء أو تذاكيا من بعض العاملين في الميدان، ولكنه نتيجة غياب السياسة التعليمية المدعومة بمتابعة دقيقة وبصرامة عالية حتى تتحقق الأهداف التعليمية ويمكن قياسها والحكم عليها.
من هنا وجبت مراجعة السياسات التعليمية ووضعها أمام المختصين في مؤتمر وطني متخصص لمناقشتها وتقييمها ومراجعتها ونقدها حتى يتم تلافي ما قد يتم فقده أو إهماله نتيجة البعد أو القرب من التخطيط الاستراتيجي.
علي عبدالله موسى 2014-01-12
صحيفة الوطن
التعليم الوطني لا يستورد وإنما يصنع محليا حتى ينتج المواطن الصالح، ونستطيع الاستفادة من تقنيات التعليم المختلفة في دول العالم، ولكننا لا نحتاج لاستيراد المحتوى بشكله المعمول به في الغرب
لقد ورثتم يا سمو الوزير تركة من المشاكل لا يمكن حلها بطريقة سحرية، ولا بقرار أو زيارة أو صرف أو نقل موظف أو تثبيت بعض المعلمات، أو ببناء بعض المدارس أو توفير وسائل النقل للطلاب والطالبات أو تدريب المعلمين على رأس العمل.
الموضوع بحاجة إلى إعادة نظر في فلسفة التعليم واستراتيجيته ومهمته بل وسياسته. لماذا ندرس 12 سنة ونتخرج ونحن لا نعرف نكتب ولا نقرأ ولا نعبر عن أنفسنا، بل نشعر بالخوف والجزع لمجرد أن يسألنا أحد عن رأينا في أي شيء؟ لماذا نكره الدراسة ونساق إليها في كل صباح مكرهين وكأننا في خدمة عسكرية في جبهة من جبهات القتال التي لا غاية لها؟
تعليمنا عبر 12 سنة لم ينتج سوى مخرجات هزيلة متواضعة لا تقاس بما تصرف عليه الدولة من أموال إذا قسناها بمقياس الربح والخسارة، فالدولة خاسرة، والأسرة خاسرة، والطلاب والطالبات خاسرون والمجتمع خاسر، لأن العائد من التكلفة الحقيقية غير مربح على جميع المستويات. والسؤال ماذا تريد الدولة من التعليم؟ هل تريدنا أن نتحول إلى دعاة ننشر الدين في مشارق الأرض ومغاربها، أم تريدنا جنودا تغزو بنا في الأمصار، أم تريدنا مجتمعا مصنعا لإنتاج البواخر والطائرت والسيارات والمعدات العسكرية ووسائل النقل والاتصالات وإنتاج المصنوعات والتقنية بمختلف أنواعها حتى تستطيع أن تتجاوز البترول، أم أنها تريدنا منتجين للزراعة، أم تريدنا رياضيين أو فنانين، أم أنها تريدنا مجتمعا متميزا في وطننا نعمل فيه بامتياز وطني كامل وبجد وإخلاص وولاء في جميع المؤسسات والميادين؟
هذا هو السؤال الذي تجب الإجابة عليه، لأن التعليم مرتبط بهدف الدولة الاستراتيجي، لا يمكن بأي حال من الأحول أن يستمر التعليم 12 سنة ونحن لا نعرف نتقن الكتابة ولا القراءة والتعبير ولا المحادثة، ولا الاستيعاب. وإذا كنا كذلك، فكيف نفهم العلوم والمعارف ونتقن المهارات التي يجب أن نتعلمها في مدارسنا؟ لهذا وجب أن تكون السياسة التعليمية واضحة ومبنية على أهداف وطنية دقيقة حتى يتم وضع الخطط الدراسية وفقها، وبدونها سوف نستمر في مدارس تضييع الوقت والعمر، التي لا يتعلم فيها الطالب سوى الشيء البسيط مقارنة بالوقت الذي يقضيه في التعليم العام، لهذا فإن الهدف الأول للدولة هو إيجاد المواطن الصالح الذي لا يمكن أن يكون مواطنا صالحا وهو لا يتقن القراءة ولا الكتابة والتعبير والمحادثة ولا يستوعب ما يتعلم.
هذا المواطن الصالح لن يكون صالحا إذا لم يتم تأسيسه على أساس متين بحيث يجيد أدوات التعلم، ويمكن منها حتى يعتمد على مهاراته في إتقان العلوم والمعارف والمهارات التي لا يمكن إتقانها بدون أن يسبق ذلك إتقان وتجويد لأدوات التعلم. كيف يتعلم من لا يعرف يقرأ أو يعرف يكتب أو يعبر أو يتحدث، بل من لا تمكنه أدوات التعلم من الاستيعاب. هذا هو الهدف الاستراتيجي للدولة من التعليم والذي يقوم على إتقان أدوات التعلم بحزم وصرامة ووفق معايير لا تقبل المهادنة من المؤسسة التعليمية ولا من الأسرة والمجتمع والدولة.
لقد فرطت الوزارة في تجريب طرق حديثة على مدار العقود الماضية وظن بعضهم أننا مجتمع ديموقراطي فحاول بناء التعليم على أسس وسياسات ونظريات غربية. نسي أن يفهم نظام الدولة ومنهجها بل وسياستها. التعليم الوطني لا يستورد وإنما يصنع محليا حتى ينتج المواطن الصالح، ونستطيع الاستفادة من تقنيات التعليم المختلفة في دول العالم، ولكننا لا نحتاج لاستيراد المحتوى بشكله المعمول به في الغرب حتى العلمي في صيغته وقوالبه الغربية، ولكننا نحتاج إلى توطين تلك العلوم والتقنيات وفق مرجعياتنا وسياساتنا ومعاييرنا. لا يمكن للكوري أن يتعلم ما يتعلم الأميركي أو الفرنسي، ولهذا تتفجر الأوطان بعد أن يتحول مواطنوها إلى مواطنين ناقلين لقيم تتعارض مع القيم الوطنية ومرجعياتها.
توطين التعليم يبدأ بإعادة صياغة السياسة التعليمية وأهدافها، يلي ذلك وضع مخطط للمحتوى والكفايات في كل مقرر بحيث يتم تصميمه بما يتفق مع السياسة التعليمية والأهداف الوطنية حتى لا تختلف المناهج التي تشكل الوعي والقدرات والمفاهيم والمصطلحات مع القيم الوطنية فتحدث انقلابا في رؤية المواطن للوطنية والمواطنة والوطن.
لقد جنحت بعض مؤسساتنا التعليمية وخرجت عن مسار السياسة التعليمية، بل إن بعضها قد أفرزت مخرجات ملتبسة الفهم حول وطنيتها ومواطنتها وقيمها الاجتماعية ومرجعياتها وثوابتها، وسوف تستمر في الخروج والجنوح عن الأطر والمعايير الوطنية الصماء والبكماء وأقول الجامدة التي لم تتحرك لتحرك وتغير وتضبط الجودة والنوعية وترشد الهدر المالي والمادي والبشري وتحافظ على الوحدة الوطنية وعلى سيادة العقول الوطنية قبل أن تسود في عقولهم وطنيات وهويات وانتماءات أخرى تتعارض مع المواطنة والوطنية والوطن.
إن غياب السياسة التعليمية المقننة والتي تخضع لمعايير ومراقبة وتقييم مستمر وشامل يكشف المتغيرات ويحدد الخلل ويقدم الحلول قبل أن تخرج العملية التعليمة عن مسارها الوطني وتتحول إلى شيء آخر، ليس ذكاء أو تذاكيا من بعض العاملين في الميدان، ولكنه نتيجة غياب السياسة التعليمية المدعومة بمتابعة دقيقة وبصرامة عالية حتى تتحقق الأهداف التعليمية ويمكن قياسها والحكم عليها.
من هنا وجبت مراجعة السياسات التعليمية ووضعها أمام المختصين في مؤتمر وطني متخصص لمناقشتها وتقييمها ومراجعتها ونقدها حتى يتم تلافي ما قد يتم فقده أو إهماله نتيجة البعد أو القرب من التخطيط الاستراتيجي.
علي عبدالله موسى 2014-01-12
صحيفة الوطن