جبل الهدا
02-16-2014, 06:33 AM
امرأة غيرت التعليم.. وعجزنا أن نغيره!
دورة تدريبية للقيادات التعليمية، تحدث فيها المدرب القادم من عالم متقدم عن كثافة المناهج في السعودية، فانبرى عدد هائل من القيادات يدافعون عن مناهجنا! لينظر نحوهم بحزن ويتساءل: ماذا تريدون بالضبط؟
يحكي أستاذي عن معلمته التي كانت تأخذهم للمتحف بعد نهاية الدوام المدرسي وكيف كانوا سعيدين جداً بذلك؛ لمجرد أن المتحف كان يقدم لهم الشوكولا في كل مرة يزورون جزءاً منه، في الواقع كنت أشعر بحرج بالغ لأنه لم يكن هناك قط أي متحف في طفولتي، ربما فقط كنا نذهب مع المدرسة مرة كل عامين إلى حديقة الحيوان الوحيدة في جدة، وكنا غالباً نعود ونحن نعاني من آثار روائحها الكريهة، على كل حال أقفلت تلك الحديقة ولم يعد في جدة أي حديقة حيوان نظيفة أو غير نظيفة!
أستاذي ابن بيئة تعليمية صنعتها امرأة اسمها ماريا منتسوري؛ أول طبيبة إيطالية كانت تعلم الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية، ثم اكتشف الجميع قدراتها الهائلة فقرروا استخدام أنموذجها مع الأطفال العاديين، أنموذج ماريا من الصعب شرحه في سطور قليلة، لكن ببساطة هو يحول الطفل إلى باحث صغير يكتشف المعرفة من حوله والمعلم مجرد مرشد وليس ملقناً، والفصل هو البيئة كلها مدينته بأسرها بما فيها السماء والجبال والنهر والمسرح والمتاحف وحتى محلات البقالة.
جربت ماريا أنموذجها ونجحت ودفع نجاحها العالم الغربي لتطبيقه بل الإضافة إليه وتطويره، فالتلميذ في فنلندا ينادي معلمه باسمه ويخلع حذاءه عند الدخول إلى مدرسته التي يتعلم فيها ثلاث لغات، ويبقى منذ طفولته حتى تخرجه في الثامنة عشرة، والمعلم كما يقول أحدهم لقناة بي بي سي "إنها مدرستي وليست مدرسة الحكومة"، ويقصد أنه مسؤول عن إعداد المنهج واختيار الوسيلة، ولا يوجد منهج محدد يجبر على إنهائه؛ لذا يشعر بكامل مسؤوليته عن إعداد هذا النشء، أفكر في المعلم لدينا الذي يجب عليه أن يشرح كتاباً فيه 14 درساً، ولديه حصة أسبوعية للمادة مدتها 45 دقيقة يجب فيها إخراج المعلم الذي سبقه ثم التفتيش على الواجب والإجابة عنه، ثم التمهيد للدرس وشرحه ثم إعطاء الواجب وتجميع الدفاتر لتصحيحها، في هذه الدقائق لابد أن يكون "سوبرمان" ليجد فرصة لإحداث فرق!
في المدارس البريطانية لا يوجد منهج للرياضيات؛ وبالتالي هم لا يكلفهم الكتاب وتطويره ملايين، بل هناك خطة لكل طالب بحسب مستواه في المادة، فتصبح مهمة المعلم داخل الفصل شرح عدة مهارات لكل مجموعة بحسب قدراتها، إنهم يعتمدون على الكيف لا الكمّ.
مما يفاجئك أيضاً أنه إذا اضطر ولدك لدخول المستشفى لسبب ما ستجد أن هناك مدرسة في المستشفى، وأن هناك معلمين لكل مادة سيزورون طفلك ويعلمونه بحسب طاقته، إنهم في الواقع لا ينسون مستقبل بلادهم، أعني النشء.
حضرت مرة بالصدفة البحتة دورة تدريبية للقيادات التعليمية، تحدث فيها المدرب القادم من عالم متقدم عن كثافة المعلومات وتعدد المناهج وكثرة الكتب في السعودية، فانبرى عدد هائل من القيادات يدافعون عن مناهجنا كأنها وحي منزل لا يجب المساس به! لينظر نحوهم المدرب بحزن ويتساءل: ماذا تريدون بالضبط؟
هذا السؤال عميق جداً؛ ماذا تتوقع من تعليم فيه عشرات المناهج ومئات الدروس والصفحات والمعلومات؟ عندما أدخل طالبا ليدرس 12 سنة، هل حددت ماذا أريد منه؟ ماذا أريد أن يكون؟
ماذا صنعت أنا بالضبط؟
درجات تصل إلى المجموع النهائي حصل عليها نتيجة الإجابة عن اختبارات تستهدف المعلومة... هل هذا ما أريده؟
في دراسة أميركية خضع طلاب مرحلة ما لدراسة التاريخ الأميركي لمدة شهرين ثم اختبروا وحصلوا على درجات جيدة، أعيد الاختبار بعد شهرين فوجد أن نصف المعلومات مازال في ذاكرتهم، ثم انتظروا شهرين آخرين ليكتشفوا أن ربعها فقط بقي، وربما لو أكملوا أكثر لوجدوا النتيجة صفر!
يقول أحد المدربين العالميين إنه درب قيادات تعليمية في بلاد ما؛ ووضع أمامهم مشكلات وطلب حلولاً لها، ثم جمع إجاباتهم ووضعها على اللوح ووضع إجابات طلاب ابتدائية في مدرسة أميركية اعتمدت التدريب على التفكير، يقول المدرب إنهم تخلوا عن اقتراحاتهم للحلول لصالح حلول طلاب الابتدائية؛ ليكتشفوا أنهم ليسوا خبراء في التعليم بل مجرد طلاب ابتدائي درسوا مهارات التفكير!
إن كلمة مهارة لا توجد في قاموس تعليمنا المتكدس، فيمضي الطالب ست سنوات يدرس اللغة الإنجليزية ثم لا يجيدها لأنه حفظ الكلمات ولم يتعلم المهارة.
لدينا كنز هائل من السلوكيات الراقية تركه لنا النبي صلى الله عليه وسلم وليس لدينا مادة تدرب الطلاب على السلوك النبوي بشكل عملي.
يطالبون معلماً يدرس 24 ساعة في الأسبوع في يوم قصير نسبياً أن يعلم تلاميذه الخطابة والإلقاء وهو لديه عشرات الدروس والمناهج المتعددة يجب إنجازها في فصل فيه 36 طالباً ومقدار الحصة 45 دقيقة!
الواقع يدعونا للسؤال الذي ذكرته آنفا: ماذا نريد بالضبط؟ وعلى ضوء الإجابة نضع الخطط والآليات والاستراتيجيات لضمان نجاح هذا المنتج وهو الطالب.
عزة السبيعي 2014-02-16 1:36 am
صحيفة الوطن
دورة تدريبية للقيادات التعليمية، تحدث فيها المدرب القادم من عالم متقدم عن كثافة المناهج في السعودية، فانبرى عدد هائل من القيادات يدافعون عن مناهجنا! لينظر نحوهم بحزن ويتساءل: ماذا تريدون بالضبط؟
يحكي أستاذي عن معلمته التي كانت تأخذهم للمتحف بعد نهاية الدوام المدرسي وكيف كانوا سعيدين جداً بذلك؛ لمجرد أن المتحف كان يقدم لهم الشوكولا في كل مرة يزورون جزءاً منه، في الواقع كنت أشعر بحرج بالغ لأنه لم يكن هناك قط أي متحف في طفولتي، ربما فقط كنا نذهب مع المدرسة مرة كل عامين إلى حديقة الحيوان الوحيدة في جدة، وكنا غالباً نعود ونحن نعاني من آثار روائحها الكريهة، على كل حال أقفلت تلك الحديقة ولم يعد في جدة أي حديقة حيوان نظيفة أو غير نظيفة!
أستاذي ابن بيئة تعليمية صنعتها امرأة اسمها ماريا منتسوري؛ أول طبيبة إيطالية كانت تعلم الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية، ثم اكتشف الجميع قدراتها الهائلة فقرروا استخدام أنموذجها مع الأطفال العاديين، أنموذج ماريا من الصعب شرحه في سطور قليلة، لكن ببساطة هو يحول الطفل إلى باحث صغير يكتشف المعرفة من حوله والمعلم مجرد مرشد وليس ملقناً، والفصل هو البيئة كلها مدينته بأسرها بما فيها السماء والجبال والنهر والمسرح والمتاحف وحتى محلات البقالة.
جربت ماريا أنموذجها ونجحت ودفع نجاحها العالم الغربي لتطبيقه بل الإضافة إليه وتطويره، فالتلميذ في فنلندا ينادي معلمه باسمه ويخلع حذاءه عند الدخول إلى مدرسته التي يتعلم فيها ثلاث لغات، ويبقى منذ طفولته حتى تخرجه في الثامنة عشرة، والمعلم كما يقول أحدهم لقناة بي بي سي "إنها مدرستي وليست مدرسة الحكومة"، ويقصد أنه مسؤول عن إعداد المنهج واختيار الوسيلة، ولا يوجد منهج محدد يجبر على إنهائه؛ لذا يشعر بكامل مسؤوليته عن إعداد هذا النشء، أفكر في المعلم لدينا الذي يجب عليه أن يشرح كتاباً فيه 14 درساً، ولديه حصة أسبوعية للمادة مدتها 45 دقيقة يجب فيها إخراج المعلم الذي سبقه ثم التفتيش على الواجب والإجابة عنه، ثم التمهيد للدرس وشرحه ثم إعطاء الواجب وتجميع الدفاتر لتصحيحها، في هذه الدقائق لابد أن يكون "سوبرمان" ليجد فرصة لإحداث فرق!
في المدارس البريطانية لا يوجد منهج للرياضيات؛ وبالتالي هم لا يكلفهم الكتاب وتطويره ملايين، بل هناك خطة لكل طالب بحسب مستواه في المادة، فتصبح مهمة المعلم داخل الفصل شرح عدة مهارات لكل مجموعة بحسب قدراتها، إنهم يعتمدون على الكيف لا الكمّ.
مما يفاجئك أيضاً أنه إذا اضطر ولدك لدخول المستشفى لسبب ما ستجد أن هناك مدرسة في المستشفى، وأن هناك معلمين لكل مادة سيزورون طفلك ويعلمونه بحسب طاقته، إنهم في الواقع لا ينسون مستقبل بلادهم، أعني النشء.
حضرت مرة بالصدفة البحتة دورة تدريبية للقيادات التعليمية، تحدث فيها المدرب القادم من عالم متقدم عن كثافة المعلومات وتعدد المناهج وكثرة الكتب في السعودية، فانبرى عدد هائل من القيادات يدافعون عن مناهجنا كأنها وحي منزل لا يجب المساس به! لينظر نحوهم المدرب بحزن ويتساءل: ماذا تريدون بالضبط؟
هذا السؤال عميق جداً؛ ماذا تتوقع من تعليم فيه عشرات المناهج ومئات الدروس والصفحات والمعلومات؟ عندما أدخل طالبا ليدرس 12 سنة، هل حددت ماذا أريد منه؟ ماذا أريد أن يكون؟
ماذا صنعت أنا بالضبط؟
درجات تصل إلى المجموع النهائي حصل عليها نتيجة الإجابة عن اختبارات تستهدف المعلومة... هل هذا ما أريده؟
في دراسة أميركية خضع طلاب مرحلة ما لدراسة التاريخ الأميركي لمدة شهرين ثم اختبروا وحصلوا على درجات جيدة، أعيد الاختبار بعد شهرين فوجد أن نصف المعلومات مازال في ذاكرتهم، ثم انتظروا شهرين آخرين ليكتشفوا أن ربعها فقط بقي، وربما لو أكملوا أكثر لوجدوا النتيجة صفر!
يقول أحد المدربين العالميين إنه درب قيادات تعليمية في بلاد ما؛ ووضع أمامهم مشكلات وطلب حلولاً لها، ثم جمع إجاباتهم ووضعها على اللوح ووضع إجابات طلاب ابتدائية في مدرسة أميركية اعتمدت التدريب على التفكير، يقول المدرب إنهم تخلوا عن اقتراحاتهم للحلول لصالح حلول طلاب الابتدائية؛ ليكتشفوا أنهم ليسوا خبراء في التعليم بل مجرد طلاب ابتدائي درسوا مهارات التفكير!
إن كلمة مهارة لا توجد في قاموس تعليمنا المتكدس، فيمضي الطالب ست سنوات يدرس اللغة الإنجليزية ثم لا يجيدها لأنه حفظ الكلمات ولم يتعلم المهارة.
لدينا كنز هائل من السلوكيات الراقية تركه لنا النبي صلى الله عليه وسلم وليس لدينا مادة تدرب الطلاب على السلوك النبوي بشكل عملي.
يطالبون معلماً يدرس 24 ساعة في الأسبوع في يوم قصير نسبياً أن يعلم تلاميذه الخطابة والإلقاء وهو لديه عشرات الدروس والمناهج المتعددة يجب إنجازها في فصل فيه 36 طالباً ومقدار الحصة 45 دقيقة!
الواقع يدعونا للسؤال الذي ذكرته آنفا: ماذا نريد بالضبط؟ وعلى ضوء الإجابة نضع الخطط والآليات والاستراتيجيات لضمان نجاح هذا المنتج وهو الطالب.
عزة السبيعي 2014-02-16 1:36 am
صحيفة الوطن