جبل الهدا
04-14-2014, 11:57 AM
يا ابن الرياضية!
خلف الحربى
صحيفة عكاظ
تحدثت الصحف أمس عن نظام تقني رقابي بإمكانه كشف وملاحقة الإساءات في شبكات التواصل الاجتماعي، وأوضح الخبير التقني أنس السلمان لجريدة الحياة أن هذا النظام المتطور بإمكانه قراءة 13 لغة و570 لهجة عربية و278 لهجة سعودية، وقد أدهشني حقا عدد اللهجات في هذا البلد، فلو قلنا إن لكل منطقة إدارية لهجة ولكل قبيلة لهجة تختلف عما سواها ولكل جالية أجنبية لهجة سعودية مكسرة خاصة بها وأضفنا إلى كل ذلك العبارات الخاصة بالدرباوية وسائقي الشاحنات وكذلك العائدين من الابتعاث في الدول الغربية واعتبرنا كل ذلك لهجات لما وصل الأمر إلى 278 لهجة محلية، ولكن يبدو والله أعلم أننا متنوعون في الأقوال متشابهون في الأفعال!.
على أية حال لا أظن أن هذا النظام التقني المتطور بحاجة إلى رصد الشتائم والإساءات بمختلف اللهجات، فالشتائم المحلية شبه موحدة وهي تزداد تشابها مع مرور الأيام، خصوصا حين تكون الشتيمة مكتوبة، حيث تختفي الحركات الصوتية التي تميز لهجة عن أخرى وتبقى الإساءة واضحة وصريحة ومجردة من كل تأثير جغرافي، لذلك فإن البحث عن الإساءة التقليدية لا يحتاج إلى حشو النظام التقني بكل هذا العدد الهائل من اللهجات كي تنجح المهمة بل إلى دراسة طرق التفكير الغريبة التي صنعت إساءات مبتكرة وغير موجودة في كل لغات ولهجات الأرض!.
طرق التفكير الغريبة هذه أوجدت شتائم من نوع (زوار السفارات) التي لا يمكن أن تصنف باعتبارها شتيمة في هذا النظام التقني المتطور بل سيعتبرها مديحا باعتبار أن الشخص المستهدف بها يعشق الأجواء الدبلوماسية!، ولا يمكن أن يخطر في بال هذا النظام الإلكتروني المسكين أن المقصود هنا هو اتهام الشخص المستهدف بخيانة وطنه، وكذلك الحال بالنسبة للعديد من العبارات التي لا يمكن لأي نظام إلكتروني أن يتعامل معها باعتبارها إساءات لأنها مرتبطة بطرق التفكير أكثر من ارتباطها بدلالة المفردات، والعكس صحيح، حيث يمكن أن يلتقط عبارات مديح ويعتبرها إساءات مثل قول أحدهم لشخص يعجبه: (أنت ذيب) أو (وينك يا دب؟)!.
نعم التفكير الغريب هو الذي يصنع الإساءة المبتكرة، ويكفي أن نتابع هذه الأيام تعاطي بعض الأطراف مع قضية رياضة البنات في المدارس كي ندرك أن أقوى نظام تقني في العالم لا يمكنه أن يتخيل الدرجة التي وصلنا إليها في تحليل الأمور، فكل عاقل في هذه الدنيا يعرف أن الرياضة أمر ضروري كي يعيش الإنسان حياة أفضل وأن الدين الحنيف لا يمكن أن يكون ضد مسألة ضرورية لصحة البدن وأن العادات لا تقف ضد فتيات يمارسن الرياضة في مكان مغلق، ولكن المسألة أخذت منحى لا يمكن تخيله، حيث رفع شعارات حول الشرف والأعراض، وعاد الحديث عن المخاطر التي يمكن أن تصيب غشاء البكارة ودخل القوم في مناطق توحي بأن الرياضة متى ما اقتربت من المرأة فإنها تتحول إلى صورة من صور الرذيلة والعياذ بالله!.
هذا مثال بسيط على طرق التفكير الغريبة التي يمكن أن تنتج إساءات لا يمكن أن يصل إليها هذا النظام التقني، حيث يمكن أن تجد أحدهم يشتم خصمه الفكري بعبارة: (يا ابن الرياضية)!، وقس على ذلك الكثير من القضايا التي تجاوزتها كل أمم الأرض وترى أن مجرد مناقشتها إهانة بليغة للعقل البشري، لذلك أرى أنه من الخطأ تصميم هذا النظام التقني بالاعتماد على فهم جميع اللهجات المحلية وإذا كان القائمون عليه يريدون حقا الوصول إلى مختلف أشكال الإساءات على شبكات التواصل فعليهم تزويده بطرق تفكيرنا العجيبة، فالتحدي الحقيقي أمام هذا النظام التقني لا يكمن في فهم ما نقول بل في فهم ما نفكر فيه.. وسيكون نظاما (ابن رياضية) إذا استطاع أن يفهم طريقة تفكيرنا!.
خلف الحربى
صحيفة عكاظ
تحدثت الصحف أمس عن نظام تقني رقابي بإمكانه كشف وملاحقة الإساءات في شبكات التواصل الاجتماعي، وأوضح الخبير التقني أنس السلمان لجريدة الحياة أن هذا النظام المتطور بإمكانه قراءة 13 لغة و570 لهجة عربية و278 لهجة سعودية، وقد أدهشني حقا عدد اللهجات في هذا البلد، فلو قلنا إن لكل منطقة إدارية لهجة ولكل قبيلة لهجة تختلف عما سواها ولكل جالية أجنبية لهجة سعودية مكسرة خاصة بها وأضفنا إلى كل ذلك العبارات الخاصة بالدرباوية وسائقي الشاحنات وكذلك العائدين من الابتعاث في الدول الغربية واعتبرنا كل ذلك لهجات لما وصل الأمر إلى 278 لهجة محلية، ولكن يبدو والله أعلم أننا متنوعون في الأقوال متشابهون في الأفعال!.
على أية حال لا أظن أن هذا النظام التقني المتطور بحاجة إلى رصد الشتائم والإساءات بمختلف اللهجات، فالشتائم المحلية شبه موحدة وهي تزداد تشابها مع مرور الأيام، خصوصا حين تكون الشتيمة مكتوبة، حيث تختفي الحركات الصوتية التي تميز لهجة عن أخرى وتبقى الإساءة واضحة وصريحة ومجردة من كل تأثير جغرافي، لذلك فإن البحث عن الإساءة التقليدية لا يحتاج إلى حشو النظام التقني بكل هذا العدد الهائل من اللهجات كي تنجح المهمة بل إلى دراسة طرق التفكير الغريبة التي صنعت إساءات مبتكرة وغير موجودة في كل لغات ولهجات الأرض!.
طرق التفكير الغريبة هذه أوجدت شتائم من نوع (زوار السفارات) التي لا يمكن أن تصنف باعتبارها شتيمة في هذا النظام التقني المتطور بل سيعتبرها مديحا باعتبار أن الشخص المستهدف بها يعشق الأجواء الدبلوماسية!، ولا يمكن أن يخطر في بال هذا النظام الإلكتروني المسكين أن المقصود هنا هو اتهام الشخص المستهدف بخيانة وطنه، وكذلك الحال بالنسبة للعديد من العبارات التي لا يمكن لأي نظام إلكتروني أن يتعامل معها باعتبارها إساءات لأنها مرتبطة بطرق التفكير أكثر من ارتباطها بدلالة المفردات، والعكس صحيح، حيث يمكن أن يلتقط عبارات مديح ويعتبرها إساءات مثل قول أحدهم لشخص يعجبه: (أنت ذيب) أو (وينك يا دب؟)!.
نعم التفكير الغريب هو الذي يصنع الإساءة المبتكرة، ويكفي أن نتابع هذه الأيام تعاطي بعض الأطراف مع قضية رياضة البنات في المدارس كي ندرك أن أقوى نظام تقني في العالم لا يمكنه أن يتخيل الدرجة التي وصلنا إليها في تحليل الأمور، فكل عاقل في هذه الدنيا يعرف أن الرياضة أمر ضروري كي يعيش الإنسان حياة أفضل وأن الدين الحنيف لا يمكن أن يكون ضد مسألة ضرورية لصحة البدن وأن العادات لا تقف ضد فتيات يمارسن الرياضة في مكان مغلق، ولكن المسألة أخذت منحى لا يمكن تخيله، حيث رفع شعارات حول الشرف والأعراض، وعاد الحديث عن المخاطر التي يمكن أن تصيب غشاء البكارة ودخل القوم في مناطق توحي بأن الرياضة متى ما اقتربت من المرأة فإنها تتحول إلى صورة من صور الرذيلة والعياذ بالله!.
هذا مثال بسيط على طرق التفكير الغريبة التي يمكن أن تنتج إساءات لا يمكن أن يصل إليها هذا النظام التقني، حيث يمكن أن تجد أحدهم يشتم خصمه الفكري بعبارة: (يا ابن الرياضية)!، وقس على ذلك الكثير من القضايا التي تجاوزتها كل أمم الأرض وترى أن مجرد مناقشتها إهانة بليغة للعقل البشري، لذلك أرى أنه من الخطأ تصميم هذا النظام التقني بالاعتماد على فهم جميع اللهجات المحلية وإذا كان القائمون عليه يريدون حقا الوصول إلى مختلف أشكال الإساءات على شبكات التواصل فعليهم تزويده بطرق تفكيرنا العجيبة، فالتحدي الحقيقي أمام هذا النظام التقني لا يكمن في فهم ما نقول بل في فهم ما نفكر فيه.. وسيكون نظاما (ابن رياضية) إذا استطاع أن يفهم طريقة تفكيرنا!.