جبل الهدا
04-18-2014, 03:52 PM
تعليم ما بعد الربيع العربي
عند استيعاب ضرورة التغيير الجذري لمنظومة التعليم لتحقيق المقصد الأسمى للمدرسة، فإن التغييرات الدارجة - مثل إضافة "الآيباد"، وتغيير المناهج الأكاديمية وتدريب المعلم على استراتيجيات حديثة لتدريس المفاهيم نفسها - تظهر سطحية، وغير مؤثرة على المدى الطويل
في مقالة سابقة كتبت تحت عنوان "كيف يمكن للتعليم التحرك في ظل الثورات العربية" "2012"، تم الحديث عن أهمية تفعيل الدور الاجتماعي للمدرسة بحيث تعكس مطالب الشعب من خلال تدريس ما يحدث في الشارع من تحركات وتحليل للأحداث. ربط التعليم بالأحداث السياسية يتم الاستفادة منه دوما لتحقيق أهداف الدول والشكل الذي تريد مواطنيها أن يبدو عليه، فعلى سبيل المثال يتم تدريس الطلاب في أميركا عن محرقة اليهود وأحداث 11 سبتمبر لتحقيق توجهات معينة لدى طلابهم.
ربما لم تقم الثورات في بعض الدول العربية، لكن قام أغلبها بسن قوانين وتشريعات تحسينية تحقيقا لمطالب الشعب. تطالب الشعوب بالتغييرات السياسية النابعة من وجود مشاكل اجتماعية تعاني منها الأغلبية بدرجة كبيرة مثل البطالة، الفقر، التعسف والفساد. في نظرة أخرى للربيع العربي وفي محاولة لتحليل الجانب الإيجابي له، فإن مطالب الشعب، السياسية في مجملها، قد تجد أذنا صاغية وقد ترى بعض التغييرات على أرض الواقع، وهنا يجب التفكير قليلا في كيفية وضع آلية لاستدامة هذه التغييرات لتحقيق الأثر الاجتماعي المرغوب به من خلال نافذة التعليم والتمكين.
يمكن القيام بالعديد من المشاريع وسن العديد من القوانين للرفع من مستوى المعيشة، لكن لا يمكننا إغفال دور المدرسة في إعداد القادة والموظفين الذين سيتابعون مسيرة هذه التطورات في المستقبل وبشكل أفضل. فمدرسة اليوم التي تعتمد على حفظ المعلومات الأكاديمية ولا تلقي بالاً لتنمية شخصية الطالب ومهارات التفكير من تحليل وحل مشكلات، هي التي ستقوم بإخراج قائد الغد الذي سيتولى قيادة أجهزة الدولة. من الغريب جدا أنه من النادر ما يتم ربط التعليم بالخطابات السياسية مع ذكر كيفية تطويره لتحقيق الديموقراطية المنشودة بشكل مستدام، فطلاب اليوم هم نفسهم موظفو ورجال أعمال الغد، الذين سيتولون المناصب المختلفة في الدولة.
لا يكفي تدريس الطلاب بشكل عام عن التغييرات السياسية الحاصلة بسبب الربيع العربي في أحد دروس التاريخ، بل يجب أن يكون التغيير المدرسي أعمق من ذلك بكثير. عند الحديث بشكل عام عن الوطن العربي، فإن عددا من المفردات تظل تتكرر في كل مرة في نمط لا يمكن تجاهله. من أهم هذه المفردات، الفساد، المواطنة، ومفهوم الدين. قد ينظر لهذه المفردات بشكل مرتبط، فالفساد وما يسببه من مشكلات أخرى مثل الفقر والبطالة والغش مرتبط بشكل أو بآخر بضعف مفهوم المواطنة وخدمة الوطن، وبمفهوم ممارسة الدين في معاملاتنا اليومية. مثل هذه المفردات يجب أن تدرس في مناهجنا بشكل يحترم المجتمع وعقلية الطالب، بحيث يتخرج وهو بالفعل لا يقبل الرشوة أو الغش، قادرا على اتخاذ قرارات صائبة لخدمة دينه ووطنه، ويقبل الأوجه المتعددة كافة للطوائف في بلده بدون ظلم أو تعسف.
في مقالة مميزة بقلم الدكتور مروان معاشر، والدكتور محمد فاعور من مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط (2011)، تم تعزيز أهمية مفهوم الوطنية في التعليم لضمان استدامة الديموقراطية والإصلاح المنشود. التغييرات التي يطالب بها الشعب العربي لا يمكن أن تتحقق بدون وجود جيل على قدر كبير من الوعي وقادر على تقبل ومناقشة وجهات النظر المختلفة وذلك حتى تطبق الأنظمة الجديدة التي ستحقق التغيير.
مناهج المواطنة عادة تؤسس بناء على مفاهيم تدعم التطوير المستمر للمجتمع الذي يعيش فيه الطالب والعالم من حوله، هذه المفاهيم تشتمل على الديموقراطية، العدالة، الحقوق والواجبات الوطنية، الهوية والتنوع الثقافي، حيث يطلب من الطالب إظهار مهارات معينة مثل التفكير الناقد والقدرة على اتخاذ قرارات مسؤولة بناء على مصلحة الغالبية.
بما أن الدين يلعب دورا كبيرا في هوية غالبية الشعوب العربية المسلمة، فلا يمكن فصل دور المواطنة عن دور المسلم الفعال في مجتمعه. دور الدراسات الدينية في تعليم ما بعد الربيع العربي مهم للغاية، لكنه عادة مغلف بالعبادات والأحكام الشرعية بطريقة نظرية للغاية، فلا يوجد الوازع الذي يحث الطالب أو الموظف على رفض الغش أو الرشوة أو انعدام الإنتاجية بالرغم من حفظه لأكثر من حديث وآية في أخلاق المسلم. من أهم النقاط التي يجب أن تفعل في التعليم الديني هي قبولنا واحترامنا لغيرنا من البشر من الأديان والطوائف أو الثقافات المختلفة.
عند استيعاب ضرورة التغيير الجذري لمنظومة التعليم لتحقيق المقصد الأسمى للمدرسة، فإن التغييرات الدارجة مثل إضافة "الآيباد"، وتغيير المناهج الأكاديمية مثل الرياضيات والتاريخ، وتدريب المعلم على استراتيجيات حديثة لتدريس المفاهيم القديمة نفسها، تظهر سطحية، ضعيفة، وغير مؤثرة على المدى الطويل أو القصير في بعض الأحيان. يستطيع التعليم، إن تم توظيفه بشكل فعال، لعب العديد من الأدوار التي تخدم مصلحة المجتمع. يشهد التاريخ لدى الدول العربية وحتى الأجنبية تسخير المدرسة لخدمة أغراض سياسية مثيرة للجدل، من أبرز هذه الأمثلة التغييرات المنهجية المسيئة لدى المدارس الإسرائيلية، التي تشتمل على الطلاب العرب، في مقال سبق وأن كتبته تحت عنوان (الاحتلال الإسرائيلي على المدرسة الفلسطينية)، إذن، إذا تم استخدام المعلم والمنهج سابقا وبنجاح في تأصيل التفرقة العنصرية وغرس الطائفية، فربما حان الوقت لتفعيل الدور الأصلي للتعليم في توحيد صفوف الشعب سواء لدى الدول التي قامت لديها الثورات أو تلك التي نتوقع أن تشهد تغييرات مشابهة.
تدخل الشعب وضغطه على الحكومات لإحداث التغييرات السياسية يجب أن يشتمل على التغييرات المدرسية أيضا. فكما ابتدأ المواطن في بعض الدول بإيصال صوته لحكومته، يجب عليه الحراك لإيصال صوته في المدرسة التي ستنتج مواطني ومسؤولي المستقبل.
سارة زيني
صحيفة الوطن
عند استيعاب ضرورة التغيير الجذري لمنظومة التعليم لتحقيق المقصد الأسمى للمدرسة، فإن التغييرات الدارجة - مثل إضافة "الآيباد"، وتغيير المناهج الأكاديمية وتدريب المعلم على استراتيجيات حديثة لتدريس المفاهيم نفسها - تظهر سطحية، وغير مؤثرة على المدى الطويل
في مقالة سابقة كتبت تحت عنوان "كيف يمكن للتعليم التحرك في ظل الثورات العربية" "2012"، تم الحديث عن أهمية تفعيل الدور الاجتماعي للمدرسة بحيث تعكس مطالب الشعب من خلال تدريس ما يحدث في الشارع من تحركات وتحليل للأحداث. ربط التعليم بالأحداث السياسية يتم الاستفادة منه دوما لتحقيق أهداف الدول والشكل الذي تريد مواطنيها أن يبدو عليه، فعلى سبيل المثال يتم تدريس الطلاب في أميركا عن محرقة اليهود وأحداث 11 سبتمبر لتحقيق توجهات معينة لدى طلابهم.
ربما لم تقم الثورات في بعض الدول العربية، لكن قام أغلبها بسن قوانين وتشريعات تحسينية تحقيقا لمطالب الشعب. تطالب الشعوب بالتغييرات السياسية النابعة من وجود مشاكل اجتماعية تعاني منها الأغلبية بدرجة كبيرة مثل البطالة، الفقر، التعسف والفساد. في نظرة أخرى للربيع العربي وفي محاولة لتحليل الجانب الإيجابي له، فإن مطالب الشعب، السياسية في مجملها، قد تجد أذنا صاغية وقد ترى بعض التغييرات على أرض الواقع، وهنا يجب التفكير قليلا في كيفية وضع آلية لاستدامة هذه التغييرات لتحقيق الأثر الاجتماعي المرغوب به من خلال نافذة التعليم والتمكين.
يمكن القيام بالعديد من المشاريع وسن العديد من القوانين للرفع من مستوى المعيشة، لكن لا يمكننا إغفال دور المدرسة في إعداد القادة والموظفين الذين سيتابعون مسيرة هذه التطورات في المستقبل وبشكل أفضل. فمدرسة اليوم التي تعتمد على حفظ المعلومات الأكاديمية ولا تلقي بالاً لتنمية شخصية الطالب ومهارات التفكير من تحليل وحل مشكلات، هي التي ستقوم بإخراج قائد الغد الذي سيتولى قيادة أجهزة الدولة. من الغريب جدا أنه من النادر ما يتم ربط التعليم بالخطابات السياسية مع ذكر كيفية تطويره لتحقيق الديموقراطية المنشودة بشكل مستدام، فطلاب اليوم هم نفسهم موظفو ورجال أعمال الغد، الذين سيتولون المناصب المختلفة في الدولة.
لا يكفي تدريس الطلاب بشكل عام عن التغييرات السياسية الحاصلة بسبب الربيع العربي في أحد دروس التاريخ، بل يجب أن يكون التغيير المدرسي أعمق من ذلك بكثير. عند الحديث بشكل عام عن الوطن العربي، فإن عددا من المفردات تظل تتكرر في كل مرة في نمط لا يمكن تجاهله. من أهم هذه المفردات، الفساد، المواطنة، ومفهوم الدين. قد ينظر لهذه المفردات بشكل مرتبط، فالفساد وما يسببه من مشكلات أخرى مثل الفقر والبطالة والغش مرتبط بشكل أو بآخر بضعف مفهوم المواطنة وخدمة الوطن، وبمفهوم ممارسة الدين في معاملاتنا اليومية. مثل هذه المفردات يجب أن تدرس في مناهجنا بشكل يحترم المجتمع وعقلية الطالب، بحيث يتخرج وهو بالفعل لا يقبل الرشوة أو الغش، قادرا على اتخاذ قرارات صائبة لخدمة دينه ووطنه، ويقبل الأوجه المتعددة كافة للطوائف في بلده بدون ظلم أو تعسف.
في مقالة مميزة بقلم الدكتور مروان معاشر، والدكتور محمد فاعور من مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط (2011)، تم تعزيز أهمية مفهوم الوطنية في التعليم لضمان استدامة الديموقراطية والإصلاح المنشود. التغييرات التي يطالب بها الشعب العربي لا يمكن أن تتحقق بدون وجود جيل على قدر كبير من الوعي وقادر على تقبل ومناقشة وجهات النظر المختلفة وذلك حتى تطبق الأنظمة الجديدة التي ستحقق التغيير.
مناهج المواطنة عادة تؤسس بناء على مفاهيم تدعم التطوير المستمر للمجتمع الذي يعيش فيه الطالب والعالم من حوله، هذه المفاهيم تشتمل على الديموقراطية، العدالة، الحقوق والواجبات الوطنية، الهوية والتنوع الثقافي، حيث يطلب من الطالب إظهار مهارات معينة مثل التفكير الناقد والقدرة على اتخاذ قرارات مسؤولة بناء على مصلحة الغالبية.
بما أن الدين يلعب دورا كبيرا في هوية غالبية الشعوب العربية المسلمة، فلا يمكن فصل دور المواطنة عن دور المسلم الفعال في مجتمعه. دور الدراسات الدينية في تعليم ما بعد الربيع العربي مهم للغاية، لكنه عادة مغلف بالعبادات والأحكام الشرعية بطريقة نظرية للغاية، فلا يوجد الوازع الذي يحث الطالب أو الموظف على رفض الغش أو الرشوة أو انعدام الإنتاجية بالرغم من حفظه لأكثر من حديث وآية في أخلاق المسلم. من أهم النقاط التي يجب أن تفعل في التعليم الديني هي قبولنا واحترامنا لغيرنا من البشر من الأديان والطوائف أو الثقافات المختلفة.
عند استيعاب ضرورة التغيير الجذري لمنظومة التعليم لتحقيق المقصد الأسمى للمدرسة، فإن التغييرات الدارجة مثل إضافة "الآيباد"، وتغيير المناهج الأكاديمية مثل الرياضيات والتاريخ، وتدريب المعلم على استراتيجيات حديثة لتدريس المفاهيم القديمة نفسها، تظهر سطحية، ضعيفة، وغير مؤثرة على المدى الطويل أو القصير في بعض الأحيان. يستطيع التعليم، إن تم توظيفه بشكل فعال، لعب العديد من الأدوار التي تخدم مصلحة المجتمع. يشهد التاريخ لدى الدول العربية وحتى الأجنبية تسخير المدرسة لخدمة أغراض سياسية مثيرة للجدل، من أبرز هذه الأمثلة التغييرات المنهجية المسيئة لدى المدارس الإسرائيلية، التي تشتمل على الطلاب العرب، في مقال سبق وأن كتبته تحت عنوان (الاحتلال الإسرائيلي على المدرسة الفلسطينية)، إذن، إذا تم استخدام المعلم والمنهج سابقا وبنجاح في تأصيل التفرقة العنصرية وغرس الطائفية، فربما حان الوقت لتفعيل الدور الأصلي للتعليم في توحيد صفوف الشعب سواء لدى الدول التي قامت لديها الثورات أو تلك التي نتوقع أن تشهد تغييرات مشابهة.
تدخل الشعب وضغطه على الحكومات لإحداث التغييرات السياسية يجب أن يشتمل على التغييرات المدرسية أيضا. فكما ابتدأ المواطن في بعض الدول بإيصال صوته لحكومته، يجب عليه الحراك لإيصال صوته في المدرسة التي ستنتج مواطني ومسؤولي المستقبل.
سارة زيني
صحيفة الوطن